الإنسان السوري وخيط الأمل.. بقلم: كميل العيد

الإنسان السوري وخيط الأمل.. بقلم: كميل العيد

تحليل وآراء

الأربعاء، ٩ مارس ٢٠١٦

 في محاولة مني لفهم اتجاه المزاج العام لدى السوريين ومواقفهم من اتفاق وقف الأعمال العدائية في سورية، تواصلت مع الكثير من الأشخاص وتابعت التعليقات والتغريدات على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي إضافة للعديد من المواقع الإخبارية المختلفة الاتجاهات والمشارب. ومن خلال متابعاتي توصلت بأن الأغلبية الساحقة من السوريين يرغبون في أن تنجح التهدئة وتكون الخطوة الأولى على طريق إنهاء الحرب التي أنهكت الإنسان السوري وأعادت سورية عشرات السنين إلى الوراء. إن الكثير من السوريين غير متفائلين بإتمام هذا النجاح وتمتلكهم هواجس وخوف من تدخلات بعض القوى الإقليمية ورغبتها في إفشال الاتفاق الذي سيؤدي نجاحه خلال أسبوعي الاختبار إلى تمديده وإلى السير قدماً في إنهاء الصراع داخل الأراضي السورية والذي سيكون له ارتداداته غير المحمودة داخل الدول الإقليمية التي كانت رأس حربة في إشعال الحرب وتغذية التطرف.
 فهل سيكتب لهذا الاتفاق النجاح؟ ومن المعني بنجاحه؟ وماذا بعد نجاحه؟
إن النجاحات النسبية للاتفاق ورغم بعض الخروقات تشير إلى وجود إرادة سياسية روسية أمريكية للتوصل إلى تفاهمات بشأن الحرب في سورية وإن هذا التوجه هو الذي تسبب بظهور هذا الاتفاق والذي من الطبيعي أن يتعرض لخروقات ناجمة عن صعوبات لوجستية يفرضها واقع الأرض من جهة ومحاولات المتضررين النيل منه. والشيء الذي أراه واقعاً هو أن هذا الاتفاق سيتقدم وقد أثمر حتى الآن عن تخفيض مستوى العنف والذي نتمنى أن يرتقي إلى مستوى وقف كامل لإطلاق النار والذي يحتاج إلى مزيد من الوقت، وهذا إن لم يتحقق قبل نهاية شهر حزيران القادم فسينهار الاتفاق، حيث ستضمحل قدرات أوباما في نهاية عهده السياسي وبالتالي ستتراجع قدرته في الضغط على حلفائه في المنطقة ولا سيما مع بدء الحملة الانتخابية الأمريكية والتي ستأخذ كامل وقت صناع السياسة الأمريكيين.
 أما المعني بنجاح هذا الاتفاق فهو بالدرجة الأولى الدولة السورية والشعب السوري بمختلف مكوناته. وعلينا ألا نقلل من حاجة اللاعبين الكبار في المسرح الدولي لهذا الاتفاق فهم يخشون مواجهة روسية تركية تؤدي لحرب ينخرط فيها الجميع وتتطور بحيث تستنزف أعمدة النظام الدولي الرئيسية. كما أن هناك رغبة لدى النظام الدولي لحشد القوى وتوحيدها لمواجهة الإرهاب وتحجيم داعش وأخواتها (ضمن دويلة مسيطر عليها)، حيث أصبح هذا التنظيم يقلق دول الغرب بعد أن تمكن من التغلغل داخل بلدانها وشكل خطراً على البنى الاجتماعية داخلها.
 الشيء الذي لا بد من الإشارة إليه أنه في حال نجح الاتفاق وتم الانتقال من حالة وقف الأعمال العدائية إلى وقف كامل لإطلاق النار فعلى القيادة السورية أن تتعامل مع هذا الواقع باستراتيجيات متجددة وبالتوازي مع مسارات جنيف والتي لا خيار أمامنا إلا الانخراط فيها. فعلينا أن نضع استراتيجية جديدة تلتف على جنيف وتقوم أساساُ على إجهاض محاولات التقسيم والفدرلة التي يبدو أن هناك خططاً دولية لتمريرها مستفيدةً من وجود العديد من القوى العسكرية داخل سورية وحيازة كل منها لبقعة جغرافية على الأرض، وارتباط كل منها بقوى دولية وإقليمية تسيِّرها وفق مصالحها. وهذا يقود إلى أن الفيدرالية المنشودة لا تشبه في حقيقتها فيدرالية روسيا أو أمريكا؛ بل هي شكل من أشكال الشرذمة والتفتيت لن يكون للحكومة المركزية فيها القدرة على ربط مصالح الأقاليم مع بعضها وإقامة مشاريع مشتركة فيما بينها.
 إن الفكرة الروسية عن خيار الفيدرالية كمدخل للسلام في سورية والتي أعتقد بأنها تخفي خلفها تفاهمات روسية أمريكية وإنها المقصودة بالخطة باء التي تحدث عنها الوزير كيري لن تؤدي للسلام في سورية بل ستنقلنا إلى صراعات أخرى ذات طابع جديد أشد قسوة، صراع بين الكرد والعرب، بين الإسلاميين والعلمانيين....، والأهم صراع بين الإرادات الإقليمية على الأرض السورية، صراع سيكون أقسى وأصعب من الصراع الحالي وللحديث بقية.