السعودية و"الحزام العربي"!!.. بقلم: مازن بلال

السعودية و"الحزام العربي"!!.. بقلم: مازن بلال

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٨ مارس ٢٠١٦

هناك إخفاق في إيجاد حزام "جيواستراتيجي" عربي، فصورة الصراع اليوم تؤشر إلى انهيار ما تم تأسيسه في منتصف القرن الماضي، وظهور معادلة جديدة لا يوجد للجغرافية العربية فيها أي "تصور" واضح، وهو ما يدفع المملكة العربية السعودية إلى خلق عصبية غريبة من خلال حروب متفرقة، ظهرت في اليمن وتنتشر نحو لبنان، والعدو هنا "إيران"، حيث تنشأ من هذه الحالة "صورة عروبة" مختلفة تجاهد الرياض لفرضها، فهي أزالت كل الأشكال السابقة مثل الجامعة العربية أو حتى المفهوم "الناصري" للعروبة، وأدخلت المنطقة في "حزام عربي" لا يملك أي تعريف سوى أنه "نقيض ما سواه".
 عملياً فإن قرار مجلس التعاون الخليجي اعتبار حزب الله "منظمة إرهابية" هو ضمن هذا السياق، وحتى تتضح الصورة أكثر فإن هذا الموقف الذي تبلور سعودياً يملك مساراً خاصاً لا بد من قراءته بعمق، لأنه مهما بدا تصعيدياً أو حتى غير مقنع للبعض إلا أنه يؤطر الصراع الإقليمي وفق اتجاهين:
-    الأول هو احتكار الشرعية للتمثيل الإسلامي، فالرياض تدرك أن فك الحصار عن إيران سيضع المجتمع الدولي أمام ثنائية غريبة في منطقة الخليج؛ حيث تظهر دولتان بمرجعية دينية وبطموح إقليمي، والموقف منهما يتجه نحو إيران التي لا تملك أسواقاً فقط بل قاعدة إنتاجية وعلمية ضخمة، وهذه الأرجحية لطهران مقلقة لأنها تمنحها شرعية أقوى لتمثيل التجمعات الإسلامية مثل منظمة المؤتمر الإسلامي.
 عملية الاحتكار السعودي تفرض اليوم منطقة خالية من النفوذ الإيراني، وخلق جبهة تشبه تلك التي نشأت مع اندلاع الحرب العراقية – الإيرانية، ورغم اختلاف الظروف والتحولات العالمية، لكن الحلول السعودية تتجه نحو محاولة كسر الجغرافية المحيطة بإيران، والقرار الأخير بشأن حزب الله هو جزء من حرب "شرعية التمثيل" التي تفترضها الرياض قائمة رغم انشغال طهران بترتيبات مختلفة تماما وبأدوار مرتبطة بموقعها الجغرافي وليس فقط بالعامل الديني الذي يحكمها.
-    الثاني خوض حروب استباقية تفترض الرياض أنها استنزاف لإيران، فالمعارك اليوم تستهدف "الأذرع" الإيرانية ولكنها في النهاية تسعى لمنع إيران من تكوين محورها في المنطقة، وهو محور "اتزان" يختلف كلياً عن "محور الممانعة"، لأنه يتجاوزه بالأهداف عبر علاقات تجعل من إيران "عمقاً" إقليمياً يساعد على التواصل من شرق آسيا إلى شواطئ المتوسط.
 تسعى إيران وفق جميع المؤشرات للعب دور خاص بين شرق آسيا وشواطئ المتوسط، وانسجاماً مع جغرافيتها فإن دورها "الخليجي" هو عوامل واحد من جملة دوافع لرسم أولوياتها الاستراتيجية، وتنافسها مع السعودية يقع في الدائرة الأضيق من طموحها الإقليمي، وفي المقابل فإن الدور الإيراني باتجاه شواطئ المتوسط يبدو حاسماً بالنسبة لها، ولذلك فإن الرياض تزيد من التوتر في المناطق التي يمكن أن تشكل المخرج الحيوي لإيران مثل العراق وسورية ولبنان.
 لا تبحث السعودية عن ضمانات دولية تجاه النفوذ الإيراني؛ لأنها تدرك أن ملء الفراغ بعد الصراع في العراق وسورية أمر يتطلب أكثر من قوتها المالية، فهو يحتاج إلى جغرافية لصيقة يمكن أن تغطيها كل من إيران وتركيا، وفي هذه الحالة مهما كانت "الضمانات الدولية" فإنها لن تنجح في إعطاء الرياض أدواراً لانعدام التنافس بينها وبين الدول التاريخية في المنطقة، والحل هنا في "فرض" حزام عربي مختلف في دوره الجيواستراتيجي عن السابقة، فإذا كان المد العربي في الخمسينيات ينطلق من مشروع لمحاصرة "إسرائيل"، ولإيجاد واقع سياسي يتجاوز الماضي، فإن الحزام العربي كما تتصوره السعودية يبدو في اتجاه آخر، فهو مزروع داخل الماضي وأدواته مذهبية بامتياز، وهو متصالح مع "إسرائيل" لأبعد الحدود من دون أن يضطر لتبادل دبلوماسي.
 نحن أمام حزام عربي يحوي حروباً متنقلة في داخله، لأنه لا يستند إلى مفاهيم سياسية بل إلى استثمار تداعيات الصراعات القائمة، فالموقف من إيران والسعودية لن يكون نتيجة خلافاتهم الدينية أو المذهبية أو غيرها، بل هو نظرة للمستقبل القادم ولنوعية التوتر الذي يمكن أن يستوطن في المنطقة، فإشعال الحروب يبدو سمة "الحزام" الذي تسعى إليه السعودية، في وقت نحتاج بالفعل لإعادة الاعتبار لمفهوم سيادة الدول إذا أردنا الحد من أي نفوذ خارجي، وهو أمر يبدو أنه بعيد عن التفكير السعودي المستعد لإشعال النار في لبنان من أجل الانتقام من إيران.