"المؤمن لا يُلدغ من جحر مرتين"!.. بقلم: د. بسام الخالد

"المؤمن لا يُلدغ من جحر مرتين"!.. بقلم: د. بسام الخالد

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٨ مارس ٢٠١٦

Bassamk3@gmail.com
قبل أن تبدأ الأزمة في سورية وتتحول إلى حرب حقيقية كانت وعود المرشحين للبرلمان أشبه ما تكون بالأحلام الوردية، في إحدى الدورات الانتخابية أعلن أحد المرشحين عن برنامجه الانتخابي لأبناء منطقته، وقد ضمّن هذا البرنامج وعوداً عديدة يتطلب تحقيقها خمس خطط خمسية من خطط الدولة، لكنه وعد بتحقيقها خلال أربع سنوات هي مدة بقائه في البرلمان!
 ولأن "جماهير" دائرته الانتخابية وجدوا فيه شاباً نشيطاً ومتابعاً للأخطاء، التي تقع فيها وزارات ومؤسسات الدولة، فقد التفّوا حوله ورأوا فيه صوتهم الهادر في البرلمان، زاد على ذلك تواضع صاحبنا، الذي يعيش في العاصمة، حيث إنه تنازل وجلس على "البُسط" العتيقة في بيوت الفقراء كما زار تنانير القرى وأكل خبزاً طازجاً وزار حقول الفلاحين وساهم معهم في جني الثمار وحصاد المحصول، وفي المساءات كان يُشارك في الأفراح ويكون الأول في حلقات الدبكة، ولم ينس "مسؤولنا" أن يوثق كل نشاطاته على شريط فيديو من خلال مصوّريْن رافقاه في رحلاته!
عندما يحين موعد الخطب الحماسية يعتلي مرشحنا منصة خشبية، أعدها أعوانه مسبقاً، ويبدأ بنثر الوعود على الجماهير: بيت لكل عروسين، وظيفة لكل عاطل، سيارة لكل مواطن، هاتف في كل حقل، مدرسة في كل مزرعة، جامعة في كل منطقة، سدود وجسور وطرقات ومعامل في كل القرى وبيت مفتوح لتلقي شكاوى الناس وطلباتهم على مدار اليوم طوال وجوده في البرلمان!
 وعندما حان موعد الانتخابات توافد الناس على صناديق الاقتراع لينتخبوا ابن دائرتهم "البار" وتبرع كل من لديه وسيلة نقل لجلب الناخبين من القرى البعيدة إلى مراكز الاقتراع وعملت (التراكتورات وسيارات البيك آب والشاحنات) في نقل الناخبين، وفي نهاية الاقتراع نجح مرشحنا وأصبح عضواً في البرلمان!
في اليوم التالي زاره وفد من وجهاء دائرته فاستقبلهم أمام باب منزله واعتذر عن استضافتهم داخل المنزل بحجة ارتباطه بموعدٍ مهم في العاصمة!
 عاد أعضاء الوفد مكسوري النفوس وشرحوا للأهالي معنى الوفاء الحقيقي الذي لا يملكه من انسلخوا عن جذورهم.. وطار صاحبنا إلى العاصمة وتمتع بميزات كان يخطط لها منذ زمن وقضى فترة نيابته كلها من دون أن يزور منطقته.
في الدورة المقبلة رشح صاحبنا نفسه للبرلمان مجدداً، وعندما تهيأ لفتح مضافة في ساحة البلدة وقف الأهالي في وجهه ممانعين وطلبوا منه الرحيل، فالساحة مُلكية عامة وليس له حق في استخدامها، وهكذا قضى صاحبنا بقية أيامه منزوياً يستجرّ ذكريات طفولته في البلدة ويحكيها لجيرانه في العاصمة.
 بعد سنوات عاد "النائب السابق" إلى بلدته وعندما وصل إلى الساحة وجد فوق باب المختار لوحة كتب عليها: " المؤمن لا يُلدغ من جحرٍ مرتين"!
ترى بماذا سيعد مرشحو مجلس الشعب ناخبيهم في ظل الأوضاع التي يعيشها السوريون هذه الأيام؟ وهل سيسهم "النواب" المقبلون في بلورة علاقة صادقة مع من يمثلونهم أم ستتبخر وعودهم وتذهب أدراج الرياح؟!
قنواتنا التلفزيونية تنقل آراء المواطنين يومياً على الهواء وتسألهم: ماذا تريدون من مرشحيكم للبرلمان؟ وما العلاقة بين النائب والناخب؟.. وتأتي الإجابات مكررة ونمطية، فالناس ملوا من تكرار عبارات التمني ولسان حالهم يقول: " المؤمن لا يُلدغ من جحر مرتين"!!