لعنة النفط من لبنان إلى اليمن..بقلم: عمر المعربوني

لعنة النفط من لبنان إلى اليمن..بقلم: عمر المعربوني

تحليل وآراء

الأربعاء، ٢ مارس ٢٠١٦

إنّ معظم الحروب في العصر الحديث قامت على اساس سيطرة الدول الكبرى على موارد تمكنها من تغطية حاجات إستهلاكها، وهو تعبير لطيف مقارنةً بالتعبير الأكثر دقّة واعني به تعبير "الناهب الدولي" المتحالف مع الكيانات السياسية المحلية التابعة.

وفي عرضٍ سريعٍ لما حصل بعد اتفاقية سايكس بيكو، لا بدّ أن نتذكر مرحلة نشوء الكيان السعودي وما تلاها من اتفاقيات بينه وبين اميركا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، لجهة احتكار الشركات الأميركية استخراج النفط السعودي ومن ثمّ نشوء الكيان الصهيوني الذي انيطت به وظيفة اساسية وهي اخضاع المحيط بكامله على حساب الشعب الفلسطيني.

عندما تم تقسيم المنطقة على اساس كيانات سياسية، كان مقرّرًا أن تُحكم قوى الناهب الدولي سيطرتها الكاملة على موارد المنطقة وتأمين اوسع نطاق آمان للكيان الصهيوني، إلّا أنّ ظهور حركة الضباط الأحرار في مصر والمدّ العربي المتمثل بتنامي الشعور بالوحدة العربية الذي كان للرئيس الراحل جمال عبد الناصر دور كبير فيه، رسم الحركة التي غيّرت كل المسار خصوصًا ان سوريا شكلّت الى جانب عبد الناصر نقطة الإرتكاز الثانية في مواجهة مشروع الهيمنة على المنطقة.

وفي لبنان حينها، كان لحلف بغداد دور كبير في مناهضة المد العربي، كما كان للمملكة السعودية بعدها دور اساسي في مواجهة المتغيرات الثورية في اليمن التي ساندها الرئيس جمال عبد الناصر.

وحتى لا نطيل في عرض المحطات التاريخية المرتبطة بالصراع في بعده التاريخي، سنركز على دور النفط كعامل اساسي من عوامل الصراع واسبابه خصوصًا في لبنان واليمن وسوريا.

في لبنان، ومنذ ما بعد الحرب العالمية الثانية، اشارت الأبحاث والدراسات الى وجود للنفط والغاز اكدته على مدى عقود مجموعة من الباحثين والخبراء، الا ان تحالف السلطة كان يذهب باتجاه التقليل من اهمية المخزون النفطي في لبنان وبأن كلفة استخراجه لا تغطي قيمته، والسبب ارتباط السلطة السياسية باجندات خارجية تريد ان تُبقي لبنان خارج دائرة الدول الميسورة اقتصاديًا وتفرض عليه حالة تبعية اقتصادية، حتى يسهل التحكم بقراراته واصطفافاته وهو ما يحصل حتى اللحظة.

تشير بعض الأبحاث والدراسات الى أنّ احتياطي النفط والغاز في لبنان تصل قيمته الى 140 مليار دولار، بينما تشير دراسات اخرى الى ان القيمة تتراوح بين 400 مليار و1600 مليار دولار، واذا ما اخذنا معدلًا وسطيًا فنحن امام مبلغ يقارب الـ700 مليار دولار وهو مبلغ قادر على تحويل لبنان الى بلد غني قياسًا على عدد سكانه.

الدراسات الحديثة تُثبت ان ما كان سائدًا في السابق حول عدم جدوى استخراج النفط يؤكد النوايا المرتبطة بإبقاء لبنان بلدًا تابعًا اقتصاديًا، وما النتيجة الحالية من وجود 60 مليار دولار من الديون الا جزءًا من هذه النوايا التي اصبحت اكثر إصرارًا بعد تمكن لبنان في سنة 2000 من دحر العدو الصهيوني وتغير عقيدة الجيش اللبناني.

وبالطبع، اذا ما استطاع لبنان ان يبدأ باستخراج الكميات الهائلة من النفط والغاز، فإنه سيتجاوز مشكلة الدين العام خلال سنوات قليلة وسيكون قادرًا على تزويد الجيش بأحدث الأسلحة والمعدات التي ستمكنه من الدفاع عن لبنان وحماية منشآت ومؤسسات الدولة كافة، وهو ما لا يريده الناهب الدولي وادواته في المنطقة.

حتى اللحظة، استطاع الناهب الدولي ان يؤخر استخراج النفط ولكنه لن يستطيع ان يفعل ذلك للأبد.

في سوريا، اثبتت الدراسات ان حوالي 14 حقلًا موجودة فقط في المياه الإقليمية السورية. اربعة من هذه الحقول يوازي انتاجها انتاج الكويت، إضافةً الى الحقول الموجودة في الخدمة حاليًا واغلبها في المنطقة الشرقية، اضافة الى اكتشافات كبيرة في منطقة صدد ومناطق عديدة في القلمون.

في سوريا، يشكل النفط سببًا مضافًا الى الأسباب الكثيرة التي شكلت دوافع مباشرة لتفكيك هذا البلد الذي كان حضنًا للمقاومتين اللبنانية والفلسطينية.

في اليمن المسألة اكبر بكثير من لبنان وسوريا، حيث ان حقول منطقة الجوف التي تحتوي على 35% من احتياطي العالم، وهو امر لم يعد خافيًا، اضافة الى رشوة الـ10 مليارات دولار سنويًا للطبقة الحاكمة لمنع استخراج النفط اليمني، وهو ما كان يحصل فعلًا الى ان بدأت موازين السيطرة في اليمن تتغير لغير صالح المملكة السعودية ما استدعى الدخول المباشر في الحرب على اليمن.

ان ما تقوم به المملكة السعودية يستند الى مصلحة حقيقية نابعة من تخوف السعوديين من نهوض سوريا ولبنان واليمن، ما يلغي للأبد اي قدرة للسعودية ومن خلفها منظومة الناهب الدولي وعلى رأسها اميركا على السيطرة على هذه الدول ويخرجها من المنطقة نهائيًا.

وان كانت السعودية قد اخذت قرار الحرب على اليمن ومن قبلها على سوريا، فلا شيء يمنع ان تتخذ القرار نفسه في لبنان في محاولة لإيلام سوريا وحزب الله في ساحته الأساسية، وقد تكون الباخرة التي تحتجزها السلطات اليونانية والتي تحوي اسلحة وكانت متوجهة الى لبنان جزءًا من بواخر كثيرة افرغت محتوياتها.

لبنان اليوم بالنسبة للسعودية غير لبنان الذي شكّلته وألحقته بها منذ زمن، فهناك الكثير من المتغيرات لم تعد تصب في مصلحة السعودية وقد يكون قرار الحرب على لبنان احد الخيارات الأساسية، وهو قرار اذا حصل سيُخرج السعودية الى الأبد من بلاد الشام.