مسؤولون يكتنزون على تجهيل شعوبهم..بقلم: إيفلين المصطفى

مسؤولون يكتنزون على تجهيل شعوبهم..بقلم: إيفلين المصطفى

تحليل وآراء

الأحد، ٢٨ فبراير ٢٠١٦

Evlism86@gmail.com
لطالما كان للمال دور مهم في كل حرب منذ نشأتها، وعبر التاريخ نجد أن الملوك القدماء كانوا يتلاعبون بنسب المعادن الثمينة في كل عملاتهم المعدنية لإنشاء المزيد من المال وذلك لحشد الجيوش، حتى إن الاقطاعيين حاولوا تقويض خزائن منافسيهم من إقطاعيين آخرين كما حاول المزورون تقليدها عبر التاريخ.
اليوم ومع دخول الأزمة السورية عامها الخامس، نجد أن الليرة السورية كانت الشغل الشاغل للمواطن السوري الذي ضاعت حقوقه المعيشية، وساءت أحواله الاقتصادية نتيجة انعدام الشفافية في السياسة النقدية التي اتبعها الفريق الاقتصادي، ما ساهم في زيادة النزيف الاقتصادي المعيشي للمواطن السوري.
منذ حوالي خمس سنوات طرحت عبر مجلة الأزمنة في مقالة حملت عنوان "ينقصنا فن تقريش العملات" تساؤلاً قلت فيه" تصور جنرالاً دخل الحرب الآن وهو يعتمد على العقيدة العسكرية التي كانت سائدة قبل اندلاع الحرب العالمية الثانية هل ستراهن عليه أنه سيكسب الحرب.. أو جنرالاً آخر لا يقارن بين استراتيجيته واستراتيجية عدوه ليستخلص العبر فهل تتوقع أن ينتصر..؟"
هذا التساؤل مازال قائماً حتى اليوم دون جواب أو توضيح من المسؤولين الاقتصاديين الذين يصرون على سياسة النعامة وتغييب الحقائق والمعرفة عن المواطنين بحجة أن الوضع الحالي لا يحتمل وضع خطط اقتصادية مدروسة أو قائمة على منهج علمي.
منذ أيام قليلة عقد حاكم مصرف سورية المركزي جلسة مع أصحاب شركات الصرافة لتقييم آثار جلسات التدخل التي يقوم بها المصرف لكبح جماح ارتفاع سعر الصرف.
الحاكم وكالعادة تعمد التأكيد على أن سعر الصرف في تحسن ملحوظ، لكن لا أعلم إن كان الحاكم يقصد بأن التحسن عائد لسعر صرف الدولار الذي مازالت قيمته ترتفع مقابل الليرة السورية.
جلسة التدخل هذه أتاحت لي فرصة طرح تساؤلات لطالما وجهتها عبر مجلة الأزمنة لكن دون أي رد من قبل المصرف، وهنا أستعرض جزءاً من هذه التساؤلات التي كان الجواب عليها أشبه بمن يحوم حول نفسه ويصر على ذر الرماد في العيون.
أحد تلك الاستفسارات كانت عن سرقة المواطن وغبنه حين يتم تسليمه الحوالة المالية بسعر صرف أقل من سعر صرف الدولار الحقيقي المعتمد في السوق، مثلاً يتم تسليم الحوالة بسعر صرف 374 ليرة في حين أن سعر صرف الدولار حين شرائه هو 406 ليرة وفق ما حدده المصرف المركزي؟ الحاكم أصر على أن المصرف يتبع سياسة تقليل هذه الفجوة، لكن دون اتخاذ إجراء قفزات كبيرة في تقريب سعر الحوالة من سعر شراء الدولار، لأن الأمر يحتاج إلى خطط مدروسة.
الاستفسار الآخر الذي طرحته على الحاكم هو تعمد المصرف إخفاء السعر الحقيقي للدولار، والذي يمكن اكتشافه من معادلة تسعير الذهب في سورية، حيث يعلم الجميع أن جمعية الصاغة تقوم بتسعير الذهب في سورية على سعر صرف الدولار الحقيقي والذي نجد أنه الأقرب لسعر صرف ما يعرف بالسوق السوداء.
جواب الحاكم لم يكن موفقاً هذه المرة إذ فضل التنصل من تسعير الذهب عن الاعتراف بسعر الدولار الذهبي، مبيناً أن المصرف لا يتدخل بتسعير الذهب وإنما يتم ذلك من قبل جمعية الصاغة، ورغم محاولاتي لإيصال الاستفسار وتقريبه للحاكم بعدة طرق وبأن الصاغة يقومون بتسعير الذهب على سعر صرف دولار بعلم المصرف المركزي وبعلمه، إلا أنه فضل سياسة إخفاء الحقيقة والإصرار على القول بأن الصاغة يسعرون وفق ما يرونه متناسباً مع رؤيتهم لاتجاهات سعر الصرف المستقبلية وباعتقاده أنهم يسعرونه على سعر صرف دولار السوق السوداء ".
يبدو أن الحاكم تناسى بأن الذهب في أي دولة يعد من العملات الصعبة، وأن تحديد تسعيرته يتم بمعرفة البنك المركزي وهذا ما أكده لي رئيس جمعية الصاغة السابق جورج صارجي في أحد اللقاءات التي قمنا بنشرها عبر مجلة الأزمنة حينها وضحت آلية تسعيرة الذهب التي تتم وفق المعادلة التالية حيث يتم أخذ سعر أونصة الذهب عالمياً مضروباً بسعر الدولار مقابل الليرة مقسماً على وزن الغرام من أونصة الذهب والذي يعادل 31.104 غ ثم نضربها بـ24 /21 فينتج لدينا سعر غرام الذهب عيار 21 فإذا كان سعر الأونصة 1500 دولار والدولار بـ47 يتم الحساب كالتالي (1500 *47 /31.104* 24/21 ). إذاً نحتاج لتحديد السعر إلى معرفة السعر العالمي للذهب وسعر الدولار بالليرة السورية.
وهنا ليسمح لي الحاكم أن أنقل له جزءاً من حديثي مع رئيس جمعية الصاغة السابق جورج صارجي بتاريخ 8/8/2011 " وحول رأي مصرف سورية المركزي بما يحدث على أرض الواقع أجاب صارجي: "إن المصرف لديه علم بذلك وأضاف قائلاً: ( طالبني حاكم المصرف باعتماد سعر المصرف مع إضافة تكاليف استيراده التي تعادل 200 ألف ل.س، ولكن بما أننا لا نستورده لغلاء التكاليف أوضحتُ له أن ضمن هذه الآلية سيرتفع سعر الذهب وهذا سيمنع الناس من اقتنائه وخاصة أن الطلب كثر عليه ضمن هذه الأوضاع بالإضافة لشح الدولار في السوق الذي دفع الناس للإقبال على شراء الذهب).
وحول ردّ الصاغة في حال طالبهم مصرف سورية المركزي باعتماد سعر صرف الدولار المعتمد من قبل المصرف أجاب صارجي نحن ننفذ جميع التعليمات التي يقترحونها علينا لكن حيال هذا الأمر: أشترط بداية في حال اتُخذ أن يكون وفق تصريح خطي من قبل المصرف المركزي، وحينها فليتحملوا النتائج حيث سيصبح سعر الذهب في الداخل أقل من سعره في الخارج وبالتالي سيتم تهريبه للخارج وسيغلق الصاغة محلاتهم لكون ممتهن هذه المهنة خاضعاً لقرار شخصي لأن المفروض أن يكون سعر الذهب محلياً متناسباً مع سعره في دول الجوار.
من هنا يتوجب على الفريق الاقتصادي المسؤول عن السياسة النقدية والاقتصادية أن يعتمد الشفافية والمصداقية في قول الحقائق الاقتصادية وخاصة أن المواطن أصبح مدركاً لجميع الحقائق ولم يعد من المناسب تغييب هذه الحقائق عنه لأنها تساهم في خلق المزيد من الفوضى وانعدام ثقته بكافة التصريحات التي يطلقها المسؤولون عن السياسة النقدية بهدف حماية الليرة السورية والحفاظ عليها.