قاسم سليماني في صنعاء؟.. بقلم: عبد الله زغيب

قاسم سليماني في صنعاء؟.. بقلم: عبد الله زغيب

تحليل وآراء

الجمعة، ٢٦ فبراير ٢٠١٦

الحوثيون في صنعاء. الحكومة «الشرعية» في الشتات. الرئيس عبدربه منصور هادي في الرياض. والقوة البرية التابعة لـ «عاصفة الحزم» تقاتل منذ شهور بلا اختراقة حقيقية، ومن دون أن تتخطّى، وبنسبة كبيرة، الشريط الحدودي القديم ما بين الدولة اليمنية الجنوبية وجارتها الشمالية قبل اندماج العام 1990. وهذا واقع لا يمكن القفز عنه بأدوات المنطق، خاصة عند مَن انخرط في الساحة اليمنية وتعقيداتها، علماً أن الواقع الحالي قادر على انتاج المزيد من التعقيد، والمزيد من مخرجات خلط الأوراق الطارئ. اذ لا تنعزل الازمة اليمنية، أو الحرب الأهلية اليمنية، عن مجمل الحراك العسكري والأمني والمجتمعي القائم في المنطقة منذ انطلاقة «الربيع العربي»، الذي «أثمر» نسخة يمنية كان لها الدور الأكبر في انتقال البلاد من «ستاتيكو» يمني قائم على العراك السياسي في ظل قبة الرجل القويّ الرئيس علي عبدالله صالح، الى «ستاتيكو» يمني آخر، قائم على ضرب الكل بالكل، بما له من تبعات أنتجت متغيّرات ثقيلة، وأسهمت في خلق قوتين أساسيتين، أو بالحد الأدنى، تظهير وزنيهما الحقيقي في الفرز شبه النهائي للصراع، وهما «أنصار الله» و «الحراك الجنوبي»، أعداء اليوم، أصدقاء الأمس، وإلى حد كبير، الأقرب تاريخياً إلى إيران من باقي التشكيلات اليمنية.

اليمن على طاولة «خبراء القيادة»
في الثامن من أيلول العام 2015، أكد عضو مجلس خبراء القيادة في إيران السيد مجتبى طاهري أن قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني اللواء قاسم سليماني قدّم تقريراً إلى المجلس عن تطوّرات المنطقة ومنها أوضاع اليمن. لم يكن هذا الكلام مجرد إثبات «إعلامي» بأن المدى الحيوي، أو منظومة الأمن القومي الإيرانية باتت «متعدّدة الأذرع» على شاكلة الدولة الكبرى، وإن بمفعول إقليمي خالص. بل إن الأمر كان بمثابة الرسالة «الإنذار» بأن الاستثمار الإيراني للورقة اليمنية، لم يستنفد تكتيكاته كافة على طاولة الازمة. وما زال بجعبة طهران عدد لا بأس فيه من الخيارات «العاقلة والمجنونة»، والتي من شأنها مواكبة أو حتى استباق خيارات الطرف الآخر، خاصة تلك التي تدخل في حيّز «حافة الهاوية»، وكل ما من شأنه إعادة خلق الأوراق، والدفع بأوزان غير مسبوقة في ساحة الاشتباك، وهذا أمر لا تحتاج طهران للكثير من أدوات الدعاية لإثباته. فإلى حد ما، يعلم جميع المنخرطين في الساحة اليمنية، أن لإيران «حيزها» الخاص من العمل هناك، بما يتخطى الجميع، ربما باستثناء الرياض، خاصة أن الإيرانيين تمكنوا في سنوات ما بعد الوحدة، من نسج علاقات «قوية» مع مكونات «الحراك الجنوبي» في عدن وجوارها وكذلك «أنصار الله» في المحافظات الشمالية، وبالتحديد في الفترة العازلة ما بين حرب العام 1994 الانفصالية بقيادة الزعيم اليمني الجنوبي علي سالم البيض، وفترة الحروب الست ما بين الجيش اليمني بقيادة الرئيس والزعيم اليمني التاريخي علي عبدالله صالح والحوثيين خلال العقد الماضي.

«الحراك الجنوبي» في المعسكرات الإيرانية
علاقة التشكيلات العسكرية المكوّنة لـ «الحراك الجنوبي» بإيران، لم تكن قضية شديدة الكتمان، بل لم تشهد أي جهد حقيقي لجعلها مهمّة سريّة. فإلى حد كبير بحث الجميع في هذه العلاقة عن النتائج النهائية المرتبطة بأجنداتهم، ولم يكن الهدف مجرد إقامة مخيّمات للتعارف ما بين اليمنيين ومضيفيهم، أو العكس. وكان الأمين العام للمجلس الأعلى التابع لـ «الحراك الجنوبي» قاسم عسكر، مِن أبرز مَن سلّطوا الضوء على هذه القضية، حيث تحدّث بصراحة في حزيران من العام 2013 عن ذهاب مئات الشبان من «الحراك» للتدرّب على القتال في معسكرات داخل إيران وفي لبنان أيضاً، وهو أمر لاقاه القيادي الآخر في «الحراك» محمد مسعد العقلة، الذي أكد تدريب الإيرانيين و «حزب الله» اللبناني لعناصر من الحراك توالي الرئيس الجنوبي السابق علي سالم البيض، وهو دور لم تشعر إيران يوماً بالحرج في تأديته. بل ساهمت بشكل مباشر في افتتاح قناة تلفزيونية خاصة بـ «الحراك الجنوبي» تبثّ من بيروت تحت اسم «عدن لايف»، إضافة لاستضافة بيروت للمكتب السياسي التابع لعلي سالم البيض، وكل ذلك كان يدخل ضمن إعداد طهران العدّة اليمنية، للحظة تتضارب فيها المصالح بشكل «نهائي» مع السعودية في الساحة الداخلية، خاصة أن نظام الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح حظي بدعم سعودي وخليجي «كريم» منذ المصالحة السعودية اليمنية، بعد احتلال العراق، وخسارة صنعاء لحليفها التاريخي وعدو الرياض الأوّل الرئيس العراقي صدام حسين.

الحوثي و «الحراك»
العلاقة الوثيقة هذه بين مكوّنات رئيسية من «الحراك الجنوبي» وإيران، كان لها تجلياتها المباشرة في الساحة اليمنية وعلى مراحل، وهي بطبيعة الحال أفضت إلى تقارب «ظرفي» بين «الحراك» والحوثيين، برغم ان التباعد العقائدي والاجتماعي والجغرافي بين البيئتين الحاضنتين كان كبيراً، إضافة لوجود فجوة «قياسية» في الخلفية «الوطنية» بما تحمل من أجندات خاصة. فالحوثيون كمكون يمني شمالي، كانوا يعتبرون أن وحدة البلاد من «مسلمات» التصدير السياسي الخاص بهم، بمعزل عن حروبهم مع صنعاء. فيما اكتسب «الحراك» صفة «الانفصالي» بامتياز، اذ انه لم يخف يوماً رغبته بالعودة الى ما قبل ارتباط العام 1990. هكذا بقي الحراك الجنوبي حاضراً في العمل السياسي المباشر لـ «أنصار الله»، كما كان الحاضر الدائم في خطابات زعيم «أنصار الله» عبدالملك الحوثي، تحت مسمّى «المظلومية» الجنوبية. وهو أمر عمل «الحراك» على تعزيزه، وصولاً الى تحويل القضية الجنوبية وبضغط من الحوثيين الى بند أول على طاولة مؤتمر الحوار الوطني اليمني بين آذار 2013 وكانون الثاني 2014، مضافا الى هذا قيام الحوثيين بتسليح مكونات من «الحراك»، خاصة بعد الصعود القوي لـ«انصار الشريعة» في المحافظات الجنوبية وما يعني ذلك من تهديد مباشر لتواجد «الحراك» بخلفيته الاشتراكية، وكذلك قيام «الحراك الجنوبي» بغالبية مكوّناته، بمشاركة الحوثيين، في تشييع زعيمهم التاريخي حسين بدرالدين الحوثي في حزيران من العام 2013 بعد تسليم النظام جثمانه الى ذويه عقب عقد من مقتله على يد العميد ثابت الجواس. وكان من آخر مظاهر العلاقة الحسنة بين «الحراك» والحوثيين قبل القطيعة النهائية، سعي الحوثيين، بمعزل عن النتيجة النهائية، لتسليم مناطق واسعة من محافظات الجنوب لميليشيات الحراك، بعد سلسلة لقاءات بحضور أميركي وإيراني في العاصمة العمانية مسقط شملت مكوّنات من الجنوب اليمني في مقدمها جماعة الرئيس اليمني الجنوبي السابق علي ناصر محمد والرئيس البيض كذلك.
«فيلق القدس» مقابل «درع الشمال»
مع أخذ الأحداث بسياقاتها، لم تبدُ إيران يوماً بعيدة عن الساحة اليمنية، بل هي كانت وإلى حد بعيد من صنّاع الحدث الرئيسيين هناك. وهي في السياق الأحدث، بدت أكثر إصراراً من اي وقت مضى على استنزاف قوات «عاصفة الحزم» في وحول الحرب اليمنية، خاصة أنها تعلم علم اليقين أن «العدو» الخارجي المقبل على اليمن، مهما امتلك من تحالفات محليّة، غير قادر على حسم المعركة بصورة «مبسطة» و «فوقية» في آن واحد، كما ظنّ القيّمون على «العاصفة» لحظة إطلاقها على صنعاء. ومن هنا فإن الرتابة الهائلة في خطوط التماس، والتي فرضتها القوات اليمنية المشتركة، لا تبدو بحاجة للكثير من الدعم باستثناء التذخير. لكن الطارئ في القراءة الإيرانية فرضه التهديد السعودي المباشر بمحاولة إحداث تغيير قسري للصورة الحالية في الصراع السوري، من خلال تحويل «دروع الشمال» الى قوة ضاربة يمكن في حال حصولها على سلّة «الأذون» الدولية، أن تُدخل سوريا في واقع جديد، يُعيد الجميع فيه حساباته قبل رفع السقوف والحديث عن «حرب عالمية». هكذا جاء حديث علي أكبر ولايتي مستشار المرشد الإيراني الأعلى، عن أن التغييرات في المنطقة قد تُفضي إلى «تعاون» إيراني ـ روسي في الساحة اليمنية، ما يعني سياسياً وعسكرياً، تهديداً إيرانياً بتعويض فاقد الوزن بين القوات اليمنية المشتركة و «عاصفة الحزم» من خلال دعم روسي إيراني وبأسلحة كاسرة للتفوق الجوي أو حتى البحري. وما يعني أيضاً، أن نموذج «المقاتل المهاجر» اللواء قاسم سليماني، قد يُفعَّل أيضاً في الساحة اليمنية، خاصة أن الجميع في المنطقة أصبح أكثر ميلاً لتقبّل خيارات حافة الهاوية.