الخروج من النور.. بقلم: د. عبد الرزاق المؤنس

الخروج من النور.. بقلم: د. عبد الرزاق المؤنس

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٢٣ فبراير ٢٠١٦

إذا عقلت بصائرنا في مراقبة أحوالنا اكتشفنا أن كل يوم يأتي علينا هو أسوأ من اليوم الذي ودعناه، وهذا مستمر من أول يوم انحدر فيه المسلمون وإلى اليوم من غير توقف؛ لأننا نقول بلساننا ما ليس في قلوبنا، وعكس ما تفعل أيادينا وجوارحنا لنزداد كل يوم ضعفاً وتفرقة من دون شذوذ لهذه القاعدة المستمرة مع استمرار وجودنا؛.. ننادي بالحرية والديمقراطية، ولا نرى إلا استبداداً وتسلطاً، وقد صدَّر كل ذلك تعزيز لغة الأذى والعداوة والرشاوى المادية والخلقية والمعنوية لإحقاق الباطل وإزهاق الحق!!، ونقول بلساننا إننا مسلمون، ونعبد الله تعالى وحده ولا نشرك به أحداً، وواقع حالنا يشير إلى أننا نعبد الطاغوت..؛ نعم قد يكون فينا توحيد الاعتقاد ولكن حقائق أعمالنا وأحوالنا شركيات وتوكل على غير الله عز وجل بل ثقة بما عند الأصنام البشرية من دون الثقة والطمأنينة بما عند الله تعالى وحده، وهذا واضح عند التخيير بين المقصدين؛ نقول عن الأوروبيين والغربيين إنهم كفار وملحدون وغضب الله عليهم بينما نراهم بالمقارنة مع أوضاعنا وأحوالنا نحن المسلمين أنهم يزدادون اتحاداً وتوحداً، وهذه نعمة، ويزدادون غنىً، وهذه نعمة، ويزدادون قوة، وهذه نعمة، ويزدادون صحة، وهذه نعمة، ويزدادون صدق بعضهم لبعض، وهذه نعمة، ويزدادون تعاطفاً مع شعوبهم، وهذه نعمة، ويزدادون ديمقراطية، وهذه نعمة، ويزداد شعور المواطن بقيمته وبكرامته الشخصية، وهذه نعمة، كما يزدادون في كل يوم علماً واكتشافاً واختراعاً، وهذه كلها من نعم الله تعالى عليهم..، وماذا عندنا من كل نعم الله هذه نحن الذين نفخر على الناس بأننا مسلمون؟! الحقيقة أننا نزداد كل يوم تفرقاً عن اليوم الذي قبله، وبدل أن نحفظ ثروات أوطاننا ومصادر طاقاتها ومقومات وجودها نستهلكها بقوة مواقعنا ومزالق ألسنتنا وأقلامنا لمصالحنا في مظاهر، وفي إشباع كماليات من أبنية وسيارات ومفروشات وإرضاءات وممرات! في حساب ما هو من ضروريات وإسعافات، وكل يوم تطالعنا الأخبار بأن فلاناً قد أنشأ مشروعاً باهظاً خاصاً أو فرقة جديدة وحزباً جديداً في الإسلام أو في غيره أو جماعة أو لواء خاصاً، وهذه نقمة التفرق؛ كما نزداد كل يوم اقتتالاً بعضنا ضد بعض، وهذه نقمة الاختلاف، وصار الكذب خصلة من خصالنا الدائمة، وهذه نقمة، حيث يصدق الكاذب ويُكذَب الصادق، ويُؤتمن الخائن ويخون الأمين، وتُوَسد الأمور إلى غير أهلها، ويزداد عدد فقرائنا الذين قد تخطوا خط مستوى الفقر نزولاً، وهذه نقمة، وكل يوم نزداد ضعفاً إلى ضعفنا وهذه نقمة، ويزداد شعور المواطن في بلده بتفاهة قيمته ودوره كمواطن، ونزداد كل يوم وهماً وسوء توقعات؛ فأين نعم الله تعالى فينا إن كنا نتحدث بنعم الله؟! إنها معلّقة فلا يصل إليها إلا من أخلص وصدق عن تعقل وتضحية وغيرية: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا، وإن الله لمع المحسنين).
نعم؛ إننا لا نقول إن الغربيين قد أصبحوا من المؤمنين المتقين، ومن عباد الله الصالحين؛ ولكننا نجري مقارنة بيننا وبينهم؛ هم يؤمنون بالعلم والحق والعدل والنور، وهذه من صفات الله تعالى، ونحن نؤمن بالجهل والظن والظلم والظلام، ومن ثم نشرك بالله بالوهم والباطل بتعظيم أنفسنا وأهوائنا، وكلها من صفات الشيطان؛ فمن منا أقرب إلى الله والحق وأبعد عن الباطل والشيطان؟! نحن ننادي بالوحدة الإسلامية والمؤتمر الإسلامي منذ بداية القرن الماضي، وها نحن في منتصف القرن الجديد التالي؛ فماذا حققنا في الوحدة الإسلامية؟ ازددنا تفرقاً وضعفاً؛.. نادينا بالوحدة العربية والقومية العربية والجامعة العربية؛ ماذا حققنا على كل المستويات؟.. لا شيء.. بل آمنا بعدم جدوى هذه الشعارات وسكتنا.. بينما نجد في المقابل أوروبا التي تتشكل من فسيفساء من القوميات قد اتحدت في مسمى الاتحاد الأوروبي مع تحقيق الوحدة الاقتصادية والعسكرية والإدارية فعلاً، وليس على مستوى الشعارات والأغاني وحدها..