بين المعارضة والاعتراض .. بقلم: سامر يحيى

بين المعارضة والاعتراض .. بقلم: سامر يحيى

تحليل وآراء

الأحد، ١٤ فبراير ٢٠١٦

باعتبار التعريفات والمصطلحات من صنع البشر، فهي ليست قالباً مقدّساً، إنما قابلة للتعديل وفق الظرف والمكان والإمكانات المتاحة، ودور كل منا ولاسيّما أصحاب القرار الاستناد إليها لا الاعتماد عليها، انطلاقاً من الواقع العملي للوصول للهدف المنشود، فالحياة في تجدّد دائم وتطوّر مستمر، ولابدَّ أن نمتلك الجرأة والوعي للنهوض الفكري والإنساني، لنساعد المواطن على تحديّ الظروف والهجمة الإعلامية الشرسة للتمكن من تحقيق متطلّباته وأهدافه، والتي بالتأكيد هي أهداف الوطن، ولا يمكن لها أن تتناقض معه، ما يجعلنا نفكّر ملياً بضرورة التغيير من أفكار الجميع، المواطن بوضعه بحقيقة الأمور وتوضيحها، ومن هم في سدّة المسؤولية، بابتعادهم عن التبرير اللامنطقي ولاسيما "شعب لا يمكن إرضاؤه"، "نحن نعمل والقافلة تسير"، "ما نعمله الآن لو كان في دولة أخرى لما صمدت لليوم" متجاهلين أن سورية غير باقي شعوب العالم، وواجب السلطة التنفيذية ولاسيّما جناحها الإعلامي، والذي لا يقتصر على وسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمقروءة، والتي عادةً ما تكون وسيلة استعراض لا أكثر، بل توسّعت لتشمل مواقع التواصل الاجتماعي، وحتى اللقاءات والنقاشات العادية بين أبناء الوطن، ما يتطلّب إيجاد آليات وأفكارٍ جديدة لنشر الوعي الحقيقي، ووضع هذا الشعب بالإمكانيات والحقائق والموارد والاستفادة من آرائه وأفكاره ومقدراته للوصول للهدف المنشود، فعندما تكون المدخلات سليمة تكون المخرجات محققةً للهدف المنشود.
فمصطلح المعارضة الذي تم تشويهه عمداً، من قبل أعداء الوطن، ولا سيّما التوصيفات التي تصدر في الإعلام، والتي هدفها على الأغلب الوصول للسلطة وليس بناء الوطن، وإن كانت شعاراتها خلابة، وتكون وسيلة لأعداء الوطن للتغلغل والتسلل داخل الوطن لتدميره، وتحويل الصراع من صراع بين الوطن وأعدائه، إلى صراع بين أبناء الوطن الواحد، وهذا الهدف الوحيد لما سمي "الربيع العربي"، ما يتطلّب العمل جديّاً لمحاربة هذا الاستعمار بشكله الجديد.
بالتأكيد لا يوجد شخصان متطابقان بالرأي، وإنَّ اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية، والمعارضة الحقيقية ظاهرة سليمة، فكل منا له رأيه ووجهة نظره وأفكاره، وأحياناً كثيرة من يناقضك بالرأي، قد يهديك فكرةً لتطوير آرائك والاستفادة من وجهة نظره لتطوير وجهة نظرك وجعلها قابلة للتطبيق على أرض الواقع وتؤتي أكلها الإيجابي لمصلحة الوطن كله، وتسهم في تدعيم أواصر البناء، فالمعارض هو الوطني، وشتّان بين الوطني وبين من يدمّر الوطن ويسمح لأعدائه بالتحكّم بمستقبل وطنه أو التغلغل في ثناياه.
وكما هو الخلاف ضمن الأسرة الواحدة لا يمكن حلّه إلا من الأسرة نفسها، ولا سيّما الأم التي هي الأساس، فإن الخلاف بين المعارضة والحكومة لا يمكن حلّه إلا من الدولة نفسها والوطن نفسه، بعيداً عن التدخّلات الخارجية ولا سيّما من يدّعون الحرية لشعوب المنطقة، لكنّما كلّ أفعالهم تشير إلى أن هدفهم الوحيد هو تفتيت المنطقة بيد أبنائها، ما يتطلب إنشاء هيئة حوار وطني جديّ تكون النواة للقاء أبناء الوطن على مائدة وطنية وضمن الوطن، وتتحمّل الحكومة بكل تأكيد المسؤولية الأكبر، وأن تقوم بإيجاد الآليات السليمة والمنطقية لتجميع الرؤى والاستفادة من اختلاف الآراء لبناء الوطن عبر العمل الجاد والتوضيح والنصح والإرشاد للوصول للهدف المنشود، في ظل الدور المسموم لوسائل إعلام بشتّى أنواعها، وأخطاء بعض ممن هم في سدة المسؤولية أو ينتمون لإحدى المؤسسات الحكومية، فقد يكون موظّفاً حكومياً سيئاً يسيء للوطن ككل، ولكن عندما يكون جيداً فإننا تلقائياً ننسب هذا النجاح لتربيته المنزلية، وقد يكونا بمكتب واحد، ما يتطلّب منا إعادة رفع الوعي، وأن الوطن لجميع أبنائه وبجميع أبنائه، ومن يرتكب الخطأ فهو خطؤه وواجب الحكومة معالجة هذا الخطأ وعدم وضع التبريرات له، ولو كانت شائعة، ولكن بإمكانها إيجاد الوسيلة لتفاديه، وعدم السماح للسموم بالتغلغل في الجسد السوري.
        إننا نحتاج أكثر ما يكون في هذا الوقت دعم صمود هذا الشعب وأن تكون المدخلات سليمة ومنطقية لتضييق الفجوة بين أبناء الوطن الواحد، وحتى بين المواطن وحكومته التي يفقد ثقته بها لأسباب تتحمّلها الحكومة بكل تأكيد وعدم مبالاتها بالمواطن، بل تتركه للزمن ليدرك أنّها تتصرف بالشكل الصائب، فالوطن لديه من المؤسسات ما يجعله قادراً على السير بجميع الخطا بالوقت نفسه، فالجيش العربي السوري يقوم بدوره في الدفاع عن الوطن وعودة الأمن والاستقرار إليه، والقيادة السياسية تقوم بدورها التوجيهي والدفاع عن الوطن في المحافل الدولية، ودور السلطة التنفيذية عكس دور القيادتين السياسية والعسكرية على أرض الواقع، لتكون رديفاً لهما لا عبئاً عليهما، وتخفيف الفجوة بينها وبين شعبها، فموقف المواطن من الحكومة نتيجة المدخلات السلبية من الحكومة باتجاه المواطن، ولا سيّما أن المواطن العربي السوري مؤيد لموقف حكومته، لكنّه يحتاج منها أن تقف معه بعيداً عن التنظير الوهمي تحت شعارات وطنية برّاقة.
إن أبناء الوطن ليسوا حقل تجارب، ولا سيّما أنّها ليست المرة الأولى التي تتعرض فيها سوريتنا للمؤامرة، إنّما سورية دائماً محط أطماع الأعداء والتي كانت دوماً عصيةً على الانكسار، وهذه الحرب على سورية امتداد لتلك الحروب والحصار المتنوّع، ولاسيما بعد التصحيح المجيد، ما يفترض أنّه صارت لدينا خبرة كبيرة في إعادة بناء الإنسان الوطني والاستفادة من الأخطاء وإعادة اللحمة الوطنية بين الجميع، بتطوير أداء ودور المؤسسات القائمة لا استبدالها، وندرك أن شعار: "قوّتان لا تقهران قوّة الله ومن ثمَّ قوّة الشعب" تحتاج منا أن نقف مع هذا الشعب لكي يدرك الاهتمام به وتقدير صموده وترسيخ إيمانه وتوفير مقوّمات الصمود والتصدي لكل المؤامرات، ولدينا من السبل الكثير التي تساهم في إيجاد حلول تكتيكية آنية يلمسها المواطن، وحلول استراتيجية طويلة المدى لمنع استنزاف الوطن وخيراته...
الآن وقت المحاسبة وليس الغد، والآن وقت العمل الجدّي وليس الغد، والآن وقت التفكير المنطقي والجدّي واتخاذ القرار السليم المدروس بشكلٍ حكيم، وغير قابل للنقد أو النقض أو التعديل بعد فترة، ما دام بني على أسس سليمة وقواعد حقيقية، ودراسة جدية سريعة لا متسرّعة وطنية، ولا استعراضية خلّبية.