فنجان قهوة على رصيف الذاكرة.. بقلم: عبد السلام حجاب

فنجان قهوة على رصيف الذاكرة.. بقلم: عبد السلام حجاب

تحليل وآراء

الخميس، ١١ فبراير ٢٠١٦

جمعتني رغبة اللقاء مع بعض الأصدقاء، على طاولة في مكان دمشقي، وليس من بيننا من هو دمشقي المولد، لكنه سوري الهوى، عربي الانتماء، وعودتنا دمشق أن تكون حاضنة سوريتنا وعروبتنا، ومعتقداتنا الفكرية والدينية والإنسانية، ولأن العادة كما تعرفون، ليست كل مضمون الانتماء، لكنها تحفر حيزاً في السلوك، وأصبحت كالوشم في أبجديات شخصيتنا الفردية والاجتماعية والوطنية.
وأعترف، أنه في لحظة كنا نصفي بقايا فناجين قهوتنا، تغمرنا فرحة الأطفال بألبسة العيد، وقبل أن نقتلع أنفسنا من الكراسي لنودع بعضنا، أطلقت تقييماً جائراً أحادي الفهم والاتجاه، حول ما دار بيننا من نتف أحاديث في جلسة سعينا إليها حتى صارت واقعاً.
وباختصار مزج بين المزاح والجد قلت: لقد تذكرت جلساتنا قبل ثلاث سنوات أو أكثر بقليل، وكأن شيئاً لم يحدث، أو أن مياه زماننا راكدة، رغم المشاعر الوطنية الصادقة التي تسربت عبر زحمة أحاديثنا بين لحظة وأخرى.
فقال صديق معترضاً: لقد حكمت على لقائنا بعلامة الصفر! فقلت موضحاً: إن الصفر بالرياضيات له قيمة. لكنني أشير إلى صفر معنوي في حساب اللقاء. لأننا لم نتداول في جلستنا ما يحدث ويجري بما يستحق. فوقعت بالخطأ، مرة أخرى من دون قصد أو نية، حيث فاتني أن لقاءنا، لم يكن وفق جدول أعمال. بل ترجمة لرغبة عفوية أثارها، أولاً الشوق والحنين، وثانياً، الاطمئنان على سلامة بعضنا الجسدية والنفسية والفكرية، ثم ثالثاً، ضجيج المكان وازدحام الأصوات المنبعثة من أرجائه القريبة والبعيدة، ناهيك عن رابعاً وخامساً، وجميعها عناصر تشويش خلطت المشاعر والأفكار على أهميتها، ولكن يبقى التذكر لما يحدث ويجري، لكونه يوقظ الحالم من حلمه والجاهل من جهله، حالة صحية وليس مصيدة تلبي، فقط حاجة الغرائز والأحلام المنكسرة أمام الوقائع والهموم المتشابكة في شجرة حياة كل منا.
رغم ذلك، فقد عبرت في أحاديثنا حالة الصمت المشبوه والمشين الذي تمارسه قوى الفاشية الدولية إزاء جرائم الإرهابيين والحصار ضد الأهل في دير الزور وريفها، وكذلك جهود، دي ميستورا لإيجاد حل سياسي على طاولة حوار بين السوريين.
ولكي لا يقع، المكلف دولياً، في مصيدة النسيان، حيث للعمر حقه، وللعابثين أدوار مرسومة لقتل الوعي والذاكرة، جاءت مبادئ فيينا وقرارات مجلس الأمن الدولي كأسانيد له للتذكر ومنع المرتهنين لمصالح غير السوريين، تحويل طاولة جنيف 3 إلى عنوان لفنجان- قهوة بلا بن- على رصيف الذاكرة!؟
أثق مع من جمعني اللقاء معهم، مثل جميع السوريين، بأن بوابات التفاؤل والأمل يصنع مفرداتها النوعية، الجيش العربي السوري، ما يجعلنا ندرك أيضاً ضرورة أن نفكر جميعاً بما نحن في حاجة إليه، من إبداعات فعلنا اليومي، لتكون زاد عملنا ومصدر نجاحاتنا السياسية والاجتماعية والثقافية، ورصيداً يعزز التفاؤل والثقة، حتى يصبح فنجان قهوتنا ذاكرة للفرح والانتصار، وليس مصيدة على الرصيف.