بعد جنيف.. هل خرجت أمريكا من الشرق الأوسط؟!.. بقلم: د. بسام الخالد

بعد جنيف.. هل خرجت أمريكا من الشرق الأوسط؟!.. بقلم: د. بسام الخالد

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٩ فبراير ٢٠١٦

Bassamk3@gmail.com
لفترة طويلة كانت السياسة الأمريكية تنطلق من استراتيجية استعمارية تتخذ من منطقة "الشرق الأوسط" مقدمة لابدَّ منها للسيطرة على العالم، وعندما نحدّق في عيون القادة الأمريكيين وندقق في الاتجاه الذي ينظرون إليه يظهر أمامنا مباشرة "الشرق الأوسط" بصورته الكبيرة، هذا الشرق الذي أعاروه اهتماماً أكبر إثر أحداث الحادي عشر من أيلول عام 2001، بعد أن أهملوا قضاياه طويلاً، وفي طليعة هذا الإهمال القضية الفلسطينية التي لم يولوها اهتماماً جاداً ينهي مأساة الشعب الفلسطيني، لكن خوفهم من عمليات محتملة ضد مصالحهم، مجدداً، جعلهم يظهرون هذا الاهتمام المفاجئ، مع أن الاستراتيجية الأمريكية لا ترتبط بمنطقة محددة، لكون هدفها الرئيس هو الهيمنة الكونية والإمساك بالقرار الدولي وتسيُّد العالم لقرن قادم على الأقل؟!
مع ما حدث في المنطقة العربية، بعد ما سُمي "الربيع العربي"، ركبت الولايات المتحدة الموجة لتوجه هذا الحراك لمصلحتها وتشكّل حكومات وكانتونات وجماعات تدين لها بالولاء وتضخ الدم في شرايين استراتيجيتها التي بدأت تتلاشى في المنطقة بعد عودة روسيا الاتحادية من غيابها، على أثر تفكك الاتحاد السوفييتي، وظهور قوى دولية وإقليمية أخرى، الأمر الذي جعل الولايات المتحدة الأمريكية، تتخبط في حل المشاكل التي أغرقت نفسها بها وورطت "حلفاءها" معها لتتخلى عنهم بعد دخول روسيا كقوة عظمى على خط الأزمات، فاكتشفت أنها تكاد تكون "مُستفردة" وتحتاج إلى وصفات الآخرين لإنقاذها، وبخاصة بعدما خلّفته في العراق من مآسٍ لم تنته إلى اليوم.
لقد حاولت الولايات المتحدة جني فوائد سياسية واقتصادية مباشرة من الصراع شرق الأوسطي بإعلانها الحرب "الدونكيشوتية" على داعش، هذا التنظيم الذي استولدته من رحم القاعدة لتحقق بوساطته فتح بؤر نزاع جديدة لإكمال سيطرتها على الاحتياطات النفطية والمالية الضخمة فـي المنطقة التي تحتوي على أكثر من نصف الاحتياطات النفطية العالمية المكتشفة، والمتركزة بالدرجة الأولى في دول الخليج العربي المنتجة للنفط.
وبما أن الأزمة السورية تشعبت، في اتجاهات عدة ودخلت مرحلة حرب عالمية مصغرة، عملت الولايات المتحدة على إطالة أمدها لعدة اعتبارات أهمها إضعاف القوة العسكرية السورية واستنزاف جيشها في خدمة طويلة الأمد لـ "إسرائيل"، الأمر نفسه الذي فعلته في العراق، والأمر المهم الآخر، خلق ذرائع لإطالة أمد بقائها عرّابة "للثورة السورية" التي ورطت فصائلها ومجموعاتها وداعميهم الإقليميين لحسابات دولية في مواجهة روسيا، هذه السياسة أثبتت فشلها، بعد دخول الأخيرة، على خط الحرب السورية وثبت أن الحسابات هذه المرة ليست كالماضي.
 يقول الباحث الأمريكي روبرت ميري فـي كتابه "رمال الإمبراطورية" : (ما من قوة فـي العالم قادرة على هزيمة أمريكا، لكنها تنهزم بالنقاط العالية بسبب الحماقة التي يرتكبها، تباعاً، قادتها من ذوي عاهة العمى السياسي).
"جنيف".. القشة التي قصمت ظهر البعير.. فهل ستخرج أمريكا من الشرق الأوسط بعد أن تورطت وورطت المراهنين عليها؟!