تعليق المفاوضات.. حسابات إقليمية.. بقلم: مازن بلال

تعليق المفاوضات.. حسابات إقليمية.. بقلم: مازن بلال

تحليل وآراء

الاثنين، ٨ فبراير ٢٠١٦

تعليق المفاوضات وليس فشلها.. هذا ما أكده ستيفان دي ميستورا، المبعوث الدولي إلى سورية، ليلخص تعذر الدخول في عملية تفاوض من دون فك الاشتباك الإقليمي، فالوفد القادم من الرياض، رغم تحول مطالبه، لكنه بقي يتعامل بنفس الآلية التي شهدناها في جنيف2، فالوفد الذي تأخر في وصوله وأصبحت مطالبه إنسانية وليست سياسية، بقي طويلاً في أروقة الفندق وهو يلقي التصريحات، ثم ألغى اللقاء مع المبعوث الدولي بشكل استعراضي ليسلط الضوء إعلامياً على الأقل على أحداث ريف حلب، وضمن ذاكرة التفاوض ما حدث في جنيف2 عندما أصبحت "حمص القديمة" عنواناً لكل التصريحات، وبالتأكيد فإن المسألة الإعلامية ضرورية لكنها لا تقدم مكاسب سياسية، وآلية العمل في جولات التفاوض التي تم تعليقها كانت تؤشر إلى "انهيار" لجبهة محددة، فهل ما حدث كان مفاجئاً؟
 استقراء أسبوع من الدبلوماسية النشطة لبدء المفاوضات تضعنا أمام مفارقات أساسية؛ شكلت محور العمل السياسي، وأدت في النهاية إلى عدم القدرة على تطويع المواقف الدولية، فكافة الإشكاليات كانت إقليمية إن صح التعبير، ونلاحظ هنا جملة الأمور التالية:
-    استبعاد صالح مسلم بطلب تركي واضح كسر اللائحة التي تمثل الوفد المنبثق عن موسكو والقاهرة، والمحاولات الدبلوماسية كانت لطمأنة الأكراد ولكنها لم تحاول النظر إلى هذه اللائحة كمشروع على طاولة التفاوض.
-    تنقل الوفد القادم الرياض في موقفه بشكل يوحي أن هناك محاولة لاستيعاب أي ضغط دولي عليه، وبعد الطلب الأمريكي دخوله المفاوضات من دون شروط مسبقة طرح شروطاً إنسانية، وهو أمر يصعب تجاهله من بعض الأطراف الدولية لأنه يشكل نقطة الاستناد في الحرب ضد الحكومة السورية تحديداً.
-    الوفد السوري الرسمي ركز في تصريحاته على ما يقوم به الوفد القادم من الرياض، وتجاهل باقي الحضور السياسي الآخر، وكان واضحاً محاولة تركيزه على العقدة الأساسية المرتبطة بالمواقف الإقليمية، فهي تتحكم بمواقف هذا الوفد وترسم تحركاته.
 نجحت الرياض في استنزاف الجولة الأولى من المفاوضات، ولكنها في المقابل دفعت ثمناً باهظاً لأن التفاوض لا ينفصل عن الواقع العسكري، وما حدث في الريف الشمالي لمدينة حلب أوضح أن هناك أوراقاً إضافية خسرتها، وربما يخسر وفدها بعضاً من الممثلين في الجولات القادمة، فــ"الإزاحة" العسكرية للفصائل المسلحة، حتى ولو كانت غير مدعومة من أنقرة والرياض، تفسح مجالاً أوسع للحكومة السورية في مسألة التفاوض، وتعليق المفاوضات مهما حمل من تصعيد سياسي لكنه يعزز جبهة سياسية ستكون مستقبلاً غير مضطرة لتقديم تنازلات إقليمية على أقل تقدير، وما قام به دي ميستورا هو تأجيل بات ضرورياً نتيجة عدم القدرة على التحكم بالمواقف الإقليمية، وبانتظار اجتماع ميونخ في الحادي عشر من الشهر الحالي، فإن المبعوث الدولي ربما يجد نفسه أمام معطيات مختلفة تمكنه من التحكم بالمسار السياسي بشكل أفضل.
 عملياً، فإن تناقضات العمل الدبلوماسي لم يكن فقط في التركيز على الوفد القادم من الرياض؛ لكونه يشكل عقدة الاشتباك الإقليمي، بل أيضاً في اعتبار أن التوافق بين موسكو وواشنطن هو حالة مطلقة لا تحتمل هامشاً عريضاً للمناورة، وما حدث أثبت أن إدارة الأزمة بين الدولتين هي بحد ذاتها مناورة سياسية، فاسترجاع الريف الشمالي لحلب هو في صلب "أجندة" موسكو، فهي تنتقل نحو تثبيت الجبهة ضد داعش في شرق سورية، بينما يكون غربها خالياً من الأوراق التركية أو السعودية التي تجسدها معظم الفصائل المسلحة هنا.
 مع نهاية هذا الشهر ستنطلق جولة تفاوض جديدة، واستهلاك الوقت المتبقي من عمر الإدارة الأمريكية الحالية ربما لن يكون رهاناً سعودياً ناجحاً، فحتى لو نجح صقور المحافظين في الانتخابات؛ فإنهم بالتأكيد سيجدون معضلة أساسية في هشاشة الجبهة التي سيتحالفون معها، في مقابل حضور عسكري روسي في سورية نجح في خلق تماسك قوي لدولتها، فالحرب الأمريكية القادمة لن تكون بالضرورة داخل سورية لتأمين مصالح تركيا والسعودية، لأن التوازن الإقليمي هو ما تبحث عنه الدول العظمى، وعبر هذا التوازن تستطيع تحقيق مصالحها.