من نهل الإبداع السوري .. بقلم: سامر يحيى

من نهل الإبداع السوري .. بقلم: سامر يحيى

تحليل وآراء

الأحد، ٧ فبراير ٢٠١٦

العلم يرفع بيوتاً لا عماد لها     والجهل يهدم بيوت العزِّ والكرم
  أبو العلاء المعرّي
كما أن الإنسان لا يمكنه العيش من دون طعام ولا شراب، لا يمكنه العيش الكريم الرغيد من دون ثقافة وعلم فكما غذاء الجسد مهم فغذاء الروح الأهم لبناء هذا الجسد، حتى لا يصبح هذا الجسد عرضة للمخاطر وتسلل الجراثيم إلى جسده والتغلغل به وتدميره من الداخل.
بعد أن بدأ الشعب العربي بإدراك ذلك، وتطوير نفسه، ووصوله لأعلى الدرجات العلمية والعملية، وتحقيقه نهضة وتطورّاً حقيقياً، بدأ الأعداء بالبحث عن صيغة لتدميره، فكانت أفضل صيغة هو استغلال العاطفة الجياشة لدى بعض أبنائه، إضافة لبعض ضعاف النفوس بأساليب وشعارات خلابة جذابة، مستندة لأخطاء طبيعية وروتينية تحصل بكل زمان ومكان ومع أي إنسان، لتدمير هذا الجسد العربي من الداخل، وجعله يتصارع مع نفسه، ويبحث عن لقمة عيشه وتأمين مسكنه والحفاظ على حياته، بدلاً من السعي للحصول على العلم وتطوير وبناء بلده.
لكن عندما تنظر لفشل هذا المشروع الاستعماري الجديد، وإصرار الشعب العربي السوري على الحصول على العمل والاستمرار في مقاعد الدراسة رغم الإرهاب والظروف المحيطة به بكل النواحي، ولاسيّما ما حصل قبل أيام من تكريمٍ لطلاب الأولمبياد العلمي السوري، تفتخر بأن سوريتنا قادرةً على النهوض مجدداً أقوى وأقوى، وستتجاوز كل المؤامرات والتحدّيات والخطط التي عملت على محاولة تدميرها أو تركيعها أو جعلها تابعةً، فسورية التي بنيت على أسسٍ سليمة وترفض أن تكون إلا الند للند لكل دول العالم من دون استثناء، إلا الكيان الصهيوني الغاصب وأذنابه، وهذا ما أثبته طلاب الأولمبياد العلمي السوري الذين استطاعوا الوصول لمراتب عالمية، عدا النتائج المحلية على مستوى القطر، مما يتطلّب من القائمين على هذا الأولمبياد المتابعة الجدية والدائمة، وعدم الركون للمديح والإطراء، وجعل هذا الأولمبياد روتيناً سنوياً، بل متطوّراً متجدداّ يضاف له في كل عامٍ لمسات إبداعية جديدة، وتوسّع في مجالات أخرى لتشجيع واستخراج كنوز العلم والمعرفة لدى أبنائنا.. وبذلك سورية التي استطاعت أن تعطي الدروس والعبر بكافة المجالات للعالم أجمع، ستتمكن بفضل ذكاء أبنائها الطلبة الدروس، بكيفية الحصول على المعلومة،
إن سوريتنا التي استطاعت إفشال كل مخطّطات الغرب الجهنّمية، رغم أنّها دفعت الثمن غالياً، قادرة على تعويض كل الخسائر المادية التي لحقت بها، ولن تضيع دماء شهدائها هدراً بل ستزهر إنجازات متلاحقة وعطاءات متعاظمة، لاستكمال بناء سوريتنا مهد الحضارات التي أعطت للعالم أول أبجدية في التاريخ، لتستكمل بمسيرة تصحيح مسار وتطوير وتحديث، لتتابع الخطا باستكمال الإعمار والبناء للحجر والبشر بآن معاً، على قدم المساواة مع تطهير البلد من الإرهاب والفساد...
إن كلمة الأولمبياد والتي أول ما أطلقت على الألعاب الرياضية والمنسوبة لمدينة يونانية قديمة في عام 776 قبل الميلاد، وباتت الآن منافسات علمية، ولا بد أن تتطوّر لتشمل كافّة مجالات العلوم النظرية والعلمية بآن معاً... فالحياة واستمراريتها وبناؤها يحتاج إلى كافة العلوم، ولكن ما أحوجنا لأن تستفيد المؤسسات العلمية والتربوية من هذا الأولمبياد الذي أثبت أن التفوق الدراسي بالمعلومات وليس بالعلامات، ما يتطلّب عكس النجاح بمسابقات الأولمبياد على أداء المدرسّين بدءاً من المرحلة الابتدائية وصولاً لمرحلة الدراسات العليا..
إن ما نحتاجه جعل الطلاب يحاكون الكتب والمعلومة لا يتلقّونها، يبدعون ويفكّرون ويتفوّقون، لكي نرقى لجزء بسيط مما قدّمه الشهداء، وما يقدّمه أبناء جيشنا الوطني في العمل لإعادة الأمن والاستقرار لربوع وطننا الغالي.
إن المؤسسات العلمية والتربوية مطالبة الآن أكثر من أي وقت مضى للإبداع والتغيير، وإيجاد الآليات المناسبة، سواءً عبر تغيير أداء المدرسين بإقامة منتديات ودورات ولقاءات ومسابقات، وصولاً لتقديم كل مدرّس خلاصة أفكاره وتجاربه التدريسية بشكلٍ شهري أو نصف سنوي لمركز بحوث ودراسات يقام بكل من وزارة التربية والتعليم بآن معاً، فلا فائدةً من تغيير ما بين دفتي الكتاب إن لم نغيّر كيف نتناول المعلومة ضمن دفتي الكتاب.. وأن تعمل الهيئة على تطوير ذاتها بشكلٍ دائم، وعدم الركون إلى المديح والإطراء مستفيدة من الأخطاء ومتابعة للنجاحات وتطويرها.
كما إننا بحاجة للبحث عن آلية عمل أو إنشاء مركز بحوث متخصص في كل جامعة بأبحاث الطلبة، ونشرها على موقع الجامعة لتكون مراجعاً لكل من يبحث عن المعلومة، ولا تكون الأبحاث عبارة عن قص ولصق ومجرّد وريقات للحصول على العلامة، وقد ينسى الطالب عنوان بحثه قبل انتهاء الفصل الدراسي.. فسواء كانت الكلية علمية أم أدبية، بإمكانها تقديم أبحاث جدية وحقيقية في كل مجال من المجالات وبإمكان الجامعات أن تقيم تنافساً في الأبحاث الأكثر جدية، كي لا تبقى حبيسة الأدراج والحصول على العلامة.
كما نحن بحاجة لإيجاد آلية لإقامة ندوات ثقافية وعلمية وتدريبية دورية على مستوى الجامعات، وتفعيل اللقاءات بين الطلبة في كافة المجالات من أجل توسيع مدارك الجميع، وتحقيق الفائدة وتوطيد العلاقات بين كافة المجالات العملية والأدبية لتشجيع الطلاب وتحفيزهم على الحصول على المعلومة وربط العلم بالعمل.
 نعم إننا أحوج ما نكون لنقلة نوعية في الإطار العلمي والتربوي، ومن هنا يبدأ الأساس لبناء الإنسان السوري على قدم المساواة مع إعادة بناء الوطن، ولاسيّما أن الإنسان السوري منذ نعومة أظفاره مثقّف وقادر على الإبداع، ولديه القابلية للتعلّم والعطاء، وما يحتاجه هو من يمسك بيده للانطلاق بقوّة لبناء المستقبل، إنّها سوريتنا التي تحتاج جهد كل منا، ويقوم كل منا بدوره كما نؤكّد دوماً.