خداع الذات.. بقلم: د. اسكندر لوقـا

خداع الذات.. بقلم: د. اسكندر لوقـا

تحليل وآراء

الأحد، ٧ فبراير ٢٠١٦

من الأمراض الشائعة في الزمن الراهن، وغالباً في معظم دول العالم، أن ينظر الإنسان إلى نفسه، مهما كان شأنه، بمنظار مكبّر فيرى نفسه كبيراً، وبغض النظر عن حقيقته. في علم النفس المرَضي يطلق على هذا الصنف من الناس المعقّد نفسياً. والعقد النفسية أنواع لم يتمكن علم النفس حتى اليوم من تعدادها أو تسميتها حسب حجمها ودورها في حياة الإنسان. بيد أن أكثرها وضوحاً في اعتقادنا هي عقدة تضخيم الذات مع عدم وجود مقومات موضوعية يبررها، وبذلك تطفو الذات المريضة على السطح وخصوصاً في إطار العلاقات الاجتماعية، وتكون سبباً في فقدان الإنسان ثقته في عين من يعرفه.
ولهذا الاعتبار تضيع فرص بناء العلاقات الصحية ولا يكون لما نسميه القواسم المشتركة أي حضور بين الناس، بغض النظر عن عددهم، وخصوصاً في حال إيجاد لمشكلة تحتاج إليه، وذلك من منطلق خداع الذات قبل خداع الآخر، وكثيراً من يجني أحدهم فرصة قد لا تتكرر ثانية.
إن نظرة الإنسان إلى ذاته بمنظار مكبر، لا يعني أنه بالفعل كبير، ويستحق بالفعل هذه الصفة، ذلك لأن الكبار في الحياة لا يحتاجون إلى اللجوء  لمثل هذه المحاولات التي كثيراً ما يحاول أصحابها اتخاذها وسيلة لخداع الآخر، سواء في مجالات علمية أو فنية أو ثقافية، فضلاً عن الذين يملكون المال أو يتمتعون بملذات المنصب أو القوة.
هذا المرض ليس وليد عصره بالتأكيد، ففي تاريخ البشرية أمثلة لا تحصى تحدثنا عن غرور البعض من القادة الذين اعتقدوا أن مصير سواهم في قبضة أيديهم، ومن ثم دفعوا ثمن هذه الاعتقاد من حياتهم، ومما يملكون وأيضاً من سمعتهم. ولا أعتقد أن إنساناً من هذا الطراز يستطيع أن يكون مثلاً لمن ينظر إلى نفسه بمنظار خال من عدسة التكبير، ومع ذلك يبقى كبيراً في حياته، كما في ساعات ذكراه.
إن الغرور والتبجح من مقومات هذا المرض الذي بات وباء من يدعي أنه القادر على الفعل ولا يفعل، وأيضاً من يدعي أنه الـ " فقط " بين معارفه وهو ليس كذلك إلا بالمنظار الذي يستخدمه واختاره بنفسه.
مثل هذه النماذج في الحياة، ألا تذكرنا بقول عتبة بن غزوان: "أعوذ بالله أن أكون في نفسي عظيماً، وعند الناس صغيراً"؟  تلك هذه المعادلة التي يتخطاها المرء اليوم مدعياً أنه هو لا سواه في سياق المقدرة والفهم والارتقاء. وبالتالي هنا يخدع نفسه قبل أن يخدع سواه.
iskandarlouka@yahoo.com