حينما يفسد الإعلام.. يموت الإنسان .. بقلم: إيفلين المصطفى

حينما يفسد الإعلام.. يموت الإنسان .. بقلم: إيفلين المصطفى

تحليل وآراء

الأحد، ٧ فبراير ٢٠١٦

    Evlism86@gmail.com
عندما غادر "هتلر" ألمانيا متوجهاً إلى "فيينا" لكي يدرس في معهد الفنون نزولاً عن رغبة أبيه لاحظ هناك شيئاً غاية في الخطورة، وهو سيطرة اليهود والماركسيين على إصدار الصحف والتحكم في مضامين ما يبثه أثير الإذاعات وأن اليهود والماركسيين بامتلاكهم تلك الامتيازات كانوا يتحكمون بشكل كبير في عملية تشكيل الرأي العام لدى النمساويين.
لذلك أخذ على عاتقه عندما وصل إلى سدة الحكم في ألمانيا أن يهتم بـ (الإعلام) تلك الوسيلة التي يستطيع من خلالها شحذ همم الألمانيين لتبني أفكاره المعادية لليهود والماركسيين، لذلك سأل وزير إعلامه "جوبلز" آنذاك ما الآليات التي سوف تقدمها لي للسيطرة على آراء الجمهور فما كان من جوبلز إلا أن قال له (أعطني إعلاما بلا ضمير أعطك شعباً بلا وعي) هذه المقولة لم تكن مجرد كلمات سجلها التاريخ، بل تحولت بفعل المتغيرات السياسية في المنطقة إلى نهج ومبدأ لدى العديد من وسائل الإعلام الذين حولوا وسائلهم الإعلامية إلى أسلحة مدمرة وقاتلة للشعوب ولم يخطئ من وصفها بأنها سلاح ذو حدين.
ومما لاشك فيه أن تجربة الإعلام السوري مازالت تحبو وتتخبط في طروحاتها الإعلامية سعياَ لمجاراة الموكب الإعلامي العالمي، لكن وللأسف بفضل بعض الإدارات والأمزجة التي تشرف على المؤسسات الإعلامية فإن كل ما ينتج عنها مازال لا يرتقي لمستوى الواقع الذي نعيش فيه.
ومن خلال تجربتي المتواضعة في هذا المجال أجد أن التجارب الناجحة في الإعلام المحلي كانت ممهورة بتوقيع شخصيات فردية ولم تكن للأسف متمثلة ببصمة لمؤسسة إعلامية معينة، والسبب أن نهج العمل الإعلامي يتم من قبل إدارات متخبطة ليس لديها سياسة إعلامية واضحة.
واليوم مع تعدد وسائل التواصل الاجتماعي نجد أن وسائل الإعلام المحلية والرسمية تحديداً لم تعد لها ذات الأهمية لنقل الخبر بل تحولت إلى مادة للسخرية والنقد نتيجة انعدام الشفافية في الأخبار التي تقوم بنقلها، وفي بعض الأحيان نتيجة توجهها لتعظيم وتفخيم بعض المسؤولين وأصحاب النفوذ وتبييض تاريخ بعض الشركات الخاصة بهدف الحصول على مبلغ من المال لقاء مادة إعلانية تحول الوسيلة الإعلامية إلى أداة بيد ممولها ومن يدفع لها أكثر.
ومع تزايد الحديث عن مكافحة الفساد في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة، ومبادرة الحكومة للتعاون مع وسائل الإعلام بهدف معالجة مكامن الفساد، نجد أن بعض البرامج والتحقيقات الاستقصائية لم تكن أكثر من محاولات خجولة تسلط الضوء على ظاهرة أو قضية من ثم يتم تناسيها وتجاهلها من دون معالجتها أو متابعتها، حتى إن بعض هذه القضايا التي يتم إثارتها إعلامياً نجدها في أغلب الأحيان تسير وفق أمزجة المسؤولين وخلافاتهم غير المعلنة، فيتم منح وسائل الإعلام أو بعض أقلام الصحفيين المأجورين الضوء الأخضر للحديث عنها وطرحها في وسائل الإعلام ما يجعل من هذه الوسائل مجرد أداة يتم تحريكها من أصحاب النفوذ والشأن ويتم تجريدها من كونها سلطة رابعة في المجتمع.
لكن قبل أن يقوم الإعلام بالتحدث وطرح قضايا الفساد ألا يجب أن تكون يد هذا الإعلام أو بالأحرى أيادي القائمين عليه نظيفة، غير ملطخة بالفساد الفكري والأخلاقي والمادي، أليس حرياً بالقائمين على المؤسسات الإعلامية أن يكون لديهم أخلاق مهنية عالية قادرة على مواجهة مظاهر الفساد في المجتمع، هل يكفي أن يكون القاضي دارساَ للحقوق وعديم الضمير والأخلاق على الصعيد الشخصي؟ كيف يمكن لمن يطرح قضية عن الفساد أن يكون فاسداً أو باع نفسه للشيطان "المال أو أصحاب النفوذ"؟
أعتقد أنه من الجدير أن يستيقظ مُدَّعو الإعلام على واقعهم وأن يصوبوا أقلامهم وكاميراتهم على قنوات الفساد التي تنبع من داخل المؤسسات الإعلامية، على مبدأ مقولة الشاعر " لا تنه عن خلق وتأتِ بمثله... عار عليك إذا فعلت عظيم ؟
وحين نبدأ بتنظيف مستنفعات الفساد الإعلامية ونمتلك أخلاقاً مهنية ترتقي بالشعارات الإنسانية التي تروج لها وسائل الإعلام حينها يمكن القول: إنه بدأنا بالنهوض بالمجتمع قولاً وفعلاً
لا يكفي لوسائل الإعلام المحلية أن تنتظر من يوجهها ويديرها كما يشاء وفق أهوائه وأمواله، صحيح أن المال ضروري لاستمرارية العمل لكن يجب بالحكومة طالما أن وسائل الإعلام تتبع لوزارة الإعلام ولديها ميزانية خاصة أن تسمح لقنواتها الإعلامية بأن تعمل بحرية وبنزاهة ومصداقية عالية، وألا يكون هناك خط أحمر لا يمكن تجاوزه، فأي إعلام يرتضي أن تفرض عليه خطوطاً حمراء لا يمكن وصفه بالإعلام لآن الغاية من وسائل الإعلام أن تكشف وتتحدث عن جميع القضايا التي تخص الإنسان وأن يبحث عن الحلول وأن ينشر الوعي ويعمل للارتقاء بالفكر الإنساني حتى لو تعارض الأمر مع سياق الجموع البشرية في مجتمع محدود الأفق لكن مع الوقت والزمن الطويل سيحقق الإعلام هدفه المنشود بتشكيل مجتمع حضاري.
ولو نظرنا عبر التاريخ لوجدنا كيف تمكن الإعلام الحر والنزيه من بناء أمم حضارية وكيف ساهم الإعلام المأجور والفاسد في تدمير وقتل أمم وشعوب.
من هنا أوجه دعوة للقائمين على المؤسسات الإعلامية أن يبدؤوا بتقييم هذه الوسائل وأن يعيدوا إنعاشها وخاصة أنها تعيش في مرحلة ركود وجمود ولا أبالغ إن قلت مرحلة غيبوبة بحاجة ماسة لمن ينشلها من هذه المرحلة وخاصة أن الحروب والصراعات في العالم أجمع حولت الإنسان بفضل وسائل الإعلام إلى مادة وسلعة للمتاجرة بها حتى لو كان الثمن تهجيره وتشريده أو حتى موته، وهل هناك أفظع وأشنع من جريمة يرتكبها الإعلام حينما يسوق نفسه على حساب حياة وكرامة الإنسان؟!!