يتآمر عليكم العالم..!!.. بقلم: نبوغ أسعد

يتآمر عليكم العالم..!!.. بقلم: نبوغ أسعد

تحليل وآراء

الجمعة، ٥ فبراير ٢٠١٦

عندما نذكر بلاد الأندلس، يتبادر إلى أذهاننا ذلك الجمال الرباني الذي وهبه الله لهذه البلاد، فجعلها محط أنظار الشعراء والأدباء والمفكرين والمبدعين بها، فاضت القرائح وجادت الأفكار بأعزب الكلمات، تغنى بها المغنون وكانت محطة لكل قادم يريد أن ينهل من مناهل العلم والأدب والشجاعة، وإذا ما ذكرت الأندلس ذكرت العرب وذكرت معهم دنيا عريضة من المفاخر وعالم واسع وضاء من العرفان والنور وتاريخ حافل بصفحات البطولة، وأناشيد وكتب من العبقريات الخالدة كان للعرب فيها لواء مرفوع يخفق فوق الربا والوهاد وحضارة زاهية ما ضارعتها حضارة، وهي إلى اليوم كمثابة الحج الذي يؤمه السياح، ويرتاد معالمه الزائرون لرؤية الحضارة عن كثب، وتنشق عبيرها واستحياء معالمها الناطقة بصدق هي تنبيك عن روعة الصنع وبراعة الصناع، وقد وفد إليها العرب كي يكونوا خلاصهم من سياط الظلم واضطهاد الحكام، فكانوا حياة للأرض وشفاء للنفوس، فأغدقوا في تسامحهم، وأفاضوا في عدالتهم ونثروا بذور الحق الذي يبشر بفجر جديد، فاضت بجداول المعرفة ومنارات العلم، فأصبحت دولة الحرية والعدالة والمساواة في ظل الفكر النير الذي وأد الجهل وغيّب ظلمات الرجعية والتخلف والجمود، وما انتشار العرب فيها إلا ليكون الإنسان سيد نفسه وصاحب قراراته ومشورة نفسه، وقد حمل الأبطال على عاتقهم رسالة الخلاص من كل مستعمر غاصب، فجاءت الحملات المتتالية ابتداء بحملة خالد بن الوليد، وعمر وأبو عبيدة في المشرق وعقبة بن نافع وموسى بن نصير من المغرب، فكان عقبة أول عربي حد المحيط الأطلسي من مدى انطلاقته، ووطد موسى بن نصير الحكم العربي في شمال إفريقيا، فاستقر العرب فيها، حيث التقوا بالبربر  في مجتمع حر دخل فيه البربر راضين مشاركين في توطيد دعائمه ونشر ألويته، حينما كانت المنازعات السياسية قائمة في إسبانيا، فتمزقت وحدة الشعب، وساد فيها الظلم، ما جعل البلاد متهيئة لأي فاتح يخلص الناس مما هم فيه من الفوضى والظلم، فتأهب طارق بن زياد، واجتاز مع جنوده مضيق جبل طارق، وخرج إلى الأندلس منتصراً على ملك (الإسبان رود ريك) وتوغل في البلاد، فتبعه موسى بن نصير ليتمم الفتحة والتقيا في طليطلة، ومن هنا بدأ حكم العرب للأندلس واستمر ثمانية قرون، لكن الأندلس بقيت مركز إشعاع حضاري إلى يومنا هذا، وغدت قرة أعين الناس بعد أن نشر فيها عدل العرب وتسامحهم، فامتزجت مجتمعاتهم بجميع الفئات، فاختلط فيها العرب بالإسبان والبربر، وتمتع كل واحد منهم بعباداته وشعائره الدينية، وشاع الغنى، وعم الترف، فعرفت بلاطات الأمراء والخلفاء والشعراء الذين توافدوا من كل حدب وصوب، وانتشر الغناء والموشحات، توافد المفكرون والأدباء من المشرق بعد أن جذبهم سحر الأندلس والحياة الرغيدة فيها، وزحف التطور بشتى أنواعه في جميع أنحاء البلاد، اهتموا بالبناء وفنونه، ووضعوا فيه بصماتهم التي خلدتهم في التاريخ كقصر الحمراء الذي تغنى فيه كثير من الشعراء وأذكر شاعرنا الكبير نزار قباني حين قال:
في مدخل الحمراء كان لقاءنا .. ما أطيب اللقيا بلا ميعاد
عينان سوداوان في حجريهما .. تتوالد الأبعاد في الأبعاد
وأمية راياتها موصولة ..         وجيابها موصولة بجيادي
ساءلتها هل أنت إسبانية ..       قالت وفي غرناطة الميلاد
وهناك شعراء تغنوا بجمال الأندلس، وكانوا يحسدونهم على معيشتهم التي تشبه قطعة من الجنان على الأرض فيذكر أحد الشعراء ذلك قائلاً:
يا أهل أندلس لله دركم .. ماء وظل وأنهار وأشجار
ما جنة الخلد إلا في دياركم .. ولو تخيرت هذا ما كنت أختار
لا تسبوا بعد ذا أن تدخلوا سقرا .. فليس تدخل بعد الجنة النار
وكثرت الموشحات التي ارتبطت ارتباطاً وثيقاً بالأندلس، وشاعت في جميع أقطار العرب والمسلمين وبرز أشهر ناظميه في تلك البقاع وبين القرى والأرياف، وكان من أهم هؤلاء الموشحين زرياب ولسان الدين ابن الخطيب صاحب الموشح والذائع الصيت (زمان الوصل) الذي مزج فيه جمال الطبيعة ومحاسن المحبوبة فقال:
جادك الغيث إذا الغيث هما .. يا زمان الوصل بالأندلس
لم يكن وصلك إلا حلما .. في الكرى أو خلسة المختلس
ومر الموشح بمراحل عديدة حتى أصبح من البضاعة الأدبية المنظومة والتي بقيت متداولة في جميع الساحات الأدبية، ولا نستطيع الاستغناء عنها لأنها تراث عالي المستوى، كما اهتموا بشتى العلوم والآداب وخاصة العلوم الشرعية، فأكثروا من دراسة التفاسير والفقه والحديث ودراسة النحو واللغة والأدب، فازداد عدد العلماء بكتبهم ومؤلفاتهم ونبغ الكثير منهم كأمثال ابن مالك، وابن عصفور، وابن خاروف، وفي علم اللغة ابن عبد ربه صاحب العقد الفريد وابن سيدة صاحب المخصص، وأسماء كثيرة نبغت في شتى العلوم والمعارف، ثم ظهر بعد حقبة من الزمن الفلاسفة والمفكرون كأمثال ابن ماجة وابن الطفيل وابن رشد وغيرهم.
لم يبق شاعر عربي، أو مفكر، أو عالم أو فيلسوف إلا وزار هذه البلاد التي كانت محطة للأدب وفنونه من جميع أصقاع الأرض، وتخونني الذاكرة بذكرهم لكثرة أعدادهم وهم الذين كانوا وسيبقون القادة الراسخة لجميع العلوم والمعارف والمنهل الثرِّ الذي ننهل منه النحو والأدب وفنونه والفلسفة والأخلاق والموسيقا والشعر، وكل ما هو غذاء للروح والنفس التي هي أساس الإنسان، كي يعيش حياة جميلة لا تشوبها شائبة.
هذا هو بعض تاريخكم أيها العرب، وأنتم الآن تنعمون على بقاياكم، وتتغذون منها، ومن أجل هذا تتكالب عليكم تلك الأمم الجائرة بكل ما تمتلك من قوة، حتى تمسح باقي ما تبقى من حضارة .. فهل تدركون إلى أي منقلب تنقلبون؟ أفيقوا فالوقت ليس في مصلحتكم.