تغطية التماثيل بين السياسة والدهاء.. بقلم: كميل العيد

تغطية التماثيل بين السياسة والدهاء.. بقلم: كميل العيد

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٢ فبراير ٢٠١٦

رغم أن الرئيس الإيراني حسن روحاني لم يطلب تغطية تماثيل متحف كابيتوليان الإيطالي، ورغم زعم رئيس الوزراء الايطالي بأن لا علم له مسبقاً بذلك، إلا أن تغطية هذه التماثيل اعتبرت من جانب البعض زيادة في إكرام الضيف. والحقيقة أن مثل هذا التصرف لا مبرر له، فلو أن الرئيس الايراني يشعر بالحرج لمشاهدته هذه التماثيل لما وافق على زيارة المتحف أصلاً، ولكن دهاء الذين قاموا بتغطية هذه التماثيل أرادوا الإيحاء بوجود تعارض بين الفن والإسلام، مستندين في ذلك إلى تدمير تماثيل بوذا في أفغانستان من حركة طالبان. وتدمير التماثيل والرموز الثقافية والتراثية في سورية والعراق من تنظيمات ومجموعات مشبوهة الانتماء والتي تدعي بأن تحطيمها لهذه الرموز يأتي ضمن إطار محاربة الأصنام والوقوف في وجه الشرك بالله مستندة في ذلك لفتاوى ونصوص تبيح ذلك.
وبهذا الفعل تسعى الجهة التي قامت بتغطية التماثيل والمحرَكة من قوى مشبوهة للخلط بين التماثيل والأصنام في الإسلام، فالتماثيل فيها أبهة الجمال والزينة وهي نعمة من نعم الله كما كانت للنبي سليمان، أما الأصنام فهي آلهة تعبد وعندما سقطت وتلاشت عبادتها وأصبحت تراثاً من الماضي تركها الصحابة ولم يحطموها لأنها لم تعد معبودة من دون الله. ويشهد على ذلك آثار مصر منذ ما قبل الفراعنة ’ وكذلك آثار أفغانستان والهند التي منع الصحابة فيها تحطيم تماثيل بوذا، ويشهد على ذلك أيضاً الآثار الرومانية في صقلية الباقية لعصرنا الحاضر، فلماذا تركها الصحابة؟ أليس لأنها لم تعد معبودة من دون الله ولا تمثل خطراً على عقيدة التوحيد وإنما هي جزء من التراث العالمي ومن ذاكرة التاريخ.
 لقد صاحب الفن والجمال الإنسان منذ وجوده على الأرض، وارتبط كلاهما بنظريات الكون والإلهيات قديماً، إلا أنهما اليوم أصبحتا جزءاً من المعرفة والتراث العلمي العالمي.
إن الفن والجمال غذاء الروح وسر تطور الوجود الإنساني، فالشعر فن وجمال وهو غذاء الروح ومحاكاتها وكذلك القصة والرسم ونحت التماثيل والتصوير جميعها تحاكي الروح والنفس البشرية وترفع من شأنها. ولا حجة اليوم لأحد في الوقوف بوجه الفن بكل أشكاله، لأن البديل لذلك هو العجز واليأس وتخلف المجتمعات، فالجمال والفن يخدمان الحياة الإنسانية وبمعنى أدق الحياة الأخلاقية، فقد ورد في الحديث الشريف ((الله جميل يحب الجمال)).
 صعقني مقال لمدافع عن إزالة التماثيل وغيرها من القوالب الفنية عندما قال بأن إزالتها ليس لمنع التشبه بعبدة الأصنام وإنما سعياً لأن تظل الحضارة الإسلامية متميزة في فنونها، وتناسى هذا الكاتب وأتباع هذا الطرح بأن التراث الإسلامي جزء من التراث العالمي، تأثر كل منهما بالآخر ولا يمكن حمل الناس قسراً على الإيمان بحضارة معينة وطمس الحضارات الأخرى، كما لا يمكن للعلوم بما فيها علوم الفن والجمال أن ترتقي عند أي شعب بمعزل عن علوم الشعوب الأخرى، كما لا يمكن لشعب أن يحصر حضارته بفترة زمنية محددة ويتناسى ما قبلها وما بعدها من حضارات وما آلت إليه صيرورتها. ومن هنا فإن الفنون الإسلامية من الخط والعمارة والزخارف وكذلك المدارس المتميزة للأداء القرآني، ما كانت وصلت إلى ما وصلت إليه لولا استنادها إلى ما سبقها من فنون وعلوم ولا يمكنها أن تتطور بمعزل عن فنون وعلوم الحضارات الأخرى.