سوف، مرض التخلف.. بقلم: د. اسكندر لوقــا

سوف، مرض التخلف.. بقلم: د. اسكندر لوقــا

تحليل وآراء

الأحد، ٣١ يناير ٢٠١٦

في سياق التعليقات التي أتلقاها شاكراً من قرائي على موقع التواصل الاجتماعي، بين يوم وآخر، توقفت عند تعليق للسيد يوسف يازجي على قولي " لا تقل لي ماذا فعلت، أرني ماذا فعلت "بقوله" لا تقل سأفعل بل قل فعلت".
توقفت عند هذا التعليق لسببين، أولهما لأن الأصح دائماً هو أن نفعل قبل أن نتكلم عما سوف نفعله، بمعنى أن ننجز عملا يستدعي من ثم الكلام عنه وبالتالي ألا ندعي أننا سوف نفعل ولا نفعل شيئاً. والسبب الثاني أن حديثاً طريفاً أستذكره جرى بيني وبين المرحوم المهندس نورالدين كحالة في زمن الوحدة بين سورية ومصر عندما كان رئيساً للمجلس التنفيذي في سورية قبل أن يعينه الرئيس جمال عبد الناصر نائباً للرئيس وعلى خلفية عبارة "سوف".
كانت عبارة "سوف" هي العبارة التي لا ترضيه بأي شكل من الأشكال. كان يقول لي بصفتي مديراً للمكتب الصحفي في القصر: عبارة سوف هذه ستمرضني. نبه زملاءك الصحفيين أن يشطبوا هذه العبارة من مقالاتهم لأنها تؤذي ولا تفيد. تؤذي إذا لم نحقق ما كنا نريد تحقيقه وأطلعنا الناس عليه، ولا تفيد لأنها لا تستحق الكتابة عما نفكر فيه.
ومن المفارقات في تلك الحقبة من تاريخ الوحدة بين سورية ومصر، أن الصحافة المصرية كانت تغالي عادة في الإشارة إلى ما هو قيد الإنجاز لأسباب دعائية. وكمثال على ذلك ما ورد في إحدى الصحف المصرية ذات يوم أن جسراً في دير الزور سوف يقام قريباً في مدينة اللاذقية، إلى آخر هذه المنظومة من الأخبار التي كانت تتحدث عن إنجازات مقبلة، وإن يكن على الأغلب بحسن نيّة.
كان نور الدين كحالة رحمه الله يؤمن بالحاضر، وكثيراً من كان يردد رفضه لعبارات مثل "منشوف" و"أعتقد" و"بكرا" الخ. كان رجلاً عملياً بكل معنى الكلمة. هذا إلى قناعته بأن عبارة "سوف" تحديداً هي من بين أمراض العصر التي تعيق التقدم، وبالتالي وضع العراقيل أمام إنجاز مشاريع ربما كانت حقاً قابلة للإنجاز وليس من قبيل الدعاية.
ومن هنا جاء قولي " أرني ماذا فعلت " وجاء تعليق الأستاذ يازجي " لا تقل سأفعل". ومن هذا المنطلق يأخذ الوقت المتاح أمام الفعل دوره في إثبات مصداقية الفعل أو عدم مصداقيته .
ونحن اليوم ، في سوريتنا الغالية على قلب كل من أبنائها ، نؤمن بأن إرادة الفعل موجودة لدى كل واحد من أبناء الوطن ، لأن ثباته على مدى ما يقارب الخمس سنوات أمام إرادة الهدم وعرقلة البناء ، دليل فعل على الأرض لا دليل أمنية ترتبط بعبارة سوف لأن الحضور العربي السوري على الساحات الواسعة في عالم اليوم هو دليل فعل حقيقي لا مجرد دليل أمنية أو رغبة " سوف " تتحقق بالفعل لا بالقول في المستقبل هنا أو هناك .
iskandarlouka@yahoo.com