القيم الأخلاقية وفلسفتها .. بقلم: نبوغ أسعد

القيم الأخلاقية وفلسفتها .. بقلم: نبوغ أسعد

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٢٦ يناير ٢٠١٦

يعتبر الإنسان كائناً أخلاقياً يحتضن في أعماقه قوة باطنية والشعور الأخلاقي والضمير الذي من شأنه الحكم على الأفعال الإنسانية على ضوء ما يستحقه من قيم أخلاقية وميله نحو الخير عملياً فأصبح يصدر أحكاماً تقويمية على سلوكه وسلوك غيره وهو يختلف على باقي الكائنات يستطيع أن يراقب دوافعه وإعلاء غرائزه محاولاً أن يصنع نظام القيم الأخلاقي محل نظام الحاجات البيولوجية ويسعى دائماً للسمو فوق ذاته للوصول إلى الكمال.
وفي هذا المضمار تعددت آراء وأفكار المتفلسفين حول موضوع الأخلاق وتضاربت الأقوال بين الفلاسفة وعلماء النفس بهذا الخصوص فمنهم من رأى أن للأخلاق عدة أوجه حسب ما تقتضيه المواضيع والأفعال، فالأخلاق الفلسفية مثلا ليست جملة أوامر ونصائح كما رأى البعض بل هي منظومة منهجية أي بناء منطقي يشمل أولاً على تصور عن الإنسان والعالم. وثانياً على مبدأ أساس يحكم بموجبه على مختلف طرز سلوكه في شتى ظروف الحياة لذلك اتفق البعض على أنه جملة مبادئ نظرية وقواعد عملية ينبغي على المرء اتباعها ليحيا وفق طبيعته.
كما أن هناك أخلاقاً عملية وأخلاقاً نظرية مرتبطة برباط وثيق إلى حد بعيد، فالأخلاق العملية هي جملة قواعد تقوم عليها الأعمال الإنسانية لتصبح صالحة والأخلاق النظرية أو الفلسفة الأخلاقية من شأنها إيضاح الأسس أو المبادئ التي تقوم عليها هذه القواعد ورسم المثل العليا للسلوك الإنساني.
خلاصة القول: إن الحكمة الأخلاقية هي نقطة تلاقي النظر والعمل فليس هناك عمل من دون نظر ولا نظر دون عمل ولا يمكن للفلسفة الخلقية أن تكون مجرد نظر عقلي يستهدف تحديد ماهية الخير والشر بل لا بد أن تحدد القواعد العملية وإيقاظ الإحساس بالقيم لدى الناس والعمل بها واعتبارها محركات السلوك الإنساني في تشكيل الإنسانية، ومما لا شك فيه أن بعض العلوم كعلم الاجتماع وعلم النفس علم الأحياء هي ذات صلة متينة بالأخلاق ما دامت تبحث بجدية عن الإنسان.. فالعالم لا يمكن له تجاهل الخصال التي تهديه في عمله كالصبر والنزاهة والتجرد والسعي للحقيقة لأن الروح العلمية في جوهرها تقوم على صفات أخلاقية.
وقد نشأت الأخلاق من خلال علاقة الفرد بالمجتمع وهذا واقع معيش يفصح عن عمل الضمير الأخلاقي الفردي وعمل الضمير الجمعي، فالمجتمع يربي الفرد تربية تتفق مع عاداته ومثله.
كما لم تستطع الآراء التي عملت على إلحاق الأخلاق بالعلم وقطع الصلة بينهما وبين الفلسفة سواء كانت صادرة عن علماء النفس أو علماء الاجتماع أن تستغني عن أساس يستندون إليه وتبرير عقلي منطقي لذلك الأساس وهذا لا يتم إلا بتجاوز حدود الطبيعة وحدود العلم من أجل بناء حياة أخلاقية تتصف بالديمومة والثبات لذا فالفلسفة لا تهدف إلى الدفاع عن القيم فقط بل إلى معرفة حقيقتها، فتمدنا بالقدرة على التميز بين العادات الأخلاقية المتغيرة وبين القاعدة الأخلاقية الثابتة ومهمة الفلسفة في مجال الأخلاق هي النقد والتبرير وهي ببساطة تجيبنا عن كثير من التساؤلات مثلاً.. لماذا يجب أن يكون الإنسان أخلاقياً؟ ولماذا الأخلاق هي جوهر الوجود الإنساني؟ من هنا كان لا بد من التفكير الفلسفي الضروري للأخلاق التي هي المظهر الحضاري الحقيقي لحركة التصاعد والتسامي التي يفرضها الوجود البشري على الطبيعة والواقع وتدخل الإنسان في فهم الحوادث والوقائع الإنسانية وترسيخ القيم.
وأخيرا مهما حاول العلماء والفلاسفة في جهدهم الدؤوب من أبحاث بهذا الجانب والموضوع لكن يبقى الإنسان بتربيته ونشأته الصالحة وفي بيئة سليمة بارتباطه المتين مع خالق الكون وخوفه من العقاب ويوم الحساب هي قمة الأخلاق والنبل وهذا ما نحتاجه في مجتمع فقد الكثير من المقومات الأخلاقية.. للأسف.
وأصبح المجتمع رهينة انشطارات دينية لا تمت إلى الفلسفة الأخلاقية والقيم المنظورة بصلة ولا سيما أن الساحة خلت من القراءات والبحوث الفلسفية والنفسية التي تبحث في القيم الحقيقية ذات الارتباط الصحيح بين الخلق والخالق من دون تشويه واقتصر ذلك على الدكتور نبيل طعمة كباحث فيلسوف وعلى بعض الدارسين الذين لم يتمكنوا أن يجزوا جذوه ونبقى بحاجة إلى وجود أكثر حضوراً لمثل هذا العلم الأساسي في الوقت الذي انتشرت الأجناس الثقافية الأخرى بشكل شرعي أو غير شرعي.