لنلتمس الجمال في داخلنا.. بقلم: ندى الجندي

لنلتمس الجمال في داخلنا.. بقلم: ندى الجندي

تحليل وآراء

الاثنين، ٢٥ يناير ٢٠١٦

أين الجمال وقد انطفأ بريق العيون، وتحولت إلى دمعة جارحة قد خطّت آثارها حزناً عميقاً، وهل تستطيع العيون أن تضحك وهي لا ترى من حولها سوى الدماء!
ولكن الجمال لا يندثر مهما كان المشهد قبيحاً.. جاهلياً لابد من بصيص أمل، نورُ تبصر به حمامة السلام، إنها تلوح في الأفق، الرؤية ما زالت غير واضحة.
الكلُّ يتألم.. يصرخ أما من مجيب؟
ولكن لا أحد يستمع للآخر فكيف له أن يلتمس نور الحقيقة وقد أعمى الحقد بصيرته..
ألا يدرك فظاعة المشهد الذي آل إليه حالنا.. أين الجمال؟
أين الجمال وقد سرقت براءة أطفالنا؟
أين الجمال وقد تكالبت علينا الوحوش الكاسرة من كل حدب وصوب؟
أين الجمال وقد خاننا القريب وأغمس الجار سكّينه في رقابنا؟
أين الجمال وقد تاهت عقولنا ومزقنا بعضنا بعضاً، ولم نعُد ندرك من عدونا الحقيقي أين الجمال؟؟ ولكن إذا فقدنا الأمل فقدنا وجودنا، رغم بشاعة المشهد وهمجية الواقع الذي نعيشه، إلا أن الجمال ما زال يتجسد في كل مكان من أرضنا سورية، نلتمسه في الزهرة الدمشقية التي يفوح عبقها ويعطر الأجواء رغم قساوة الشتاء.. في ياسمينها الذي يشع بياضاً رغم عتمة الجهل.
في شموخ قاسيونها.. في مآذن أمويها في عظمة ساحاتها.. في تصميم وإرادة شعبها على البقاء.
سورية حضارة تعجز الكلمات عن وصف جمالها ليس من السهل القضاء عليها مهما كانت الرياح التي تعصف فيها عاتية تبقى صامدة، فلن يندثر شيء يستحق البقاء مهما كان الواقع الذي وصلنا إليه مؤلماً، إلا أننا نستطيع النهوض من جديد ينقصنا التواصل الحقيقي، ينقصنا الحب.
مهما كان المشهد قبيحاً، إلا أننا نستطيع التماس الجمال في داخلنا ومن حولنا.
وهل نُقدر عظمة الجمال إذا لم نرَ القبح. تعالوا نتأمل لوحة الفنان العالمي بيكاسو غارنيكا.
هذا الأثر الفني الشاهد على صفحة سوداء من التاريخ الإسباني، عبّر فيها الفنان  بصدق، وجرد فيها بشاعة الحرب التي مرت بها هذه المدينة، صاغ انفعالاته بشفافية فائقة والإنسان إذ يصوغ انطباعاته، يتحرر منها، فوظيفة الفن هي التطهير للوهلة الأولى عند رؤية هذه اللوحة تتراءى لنا فوضى من الأشكال والوجوه.
الضياء يتدخل مع ألوان حزينة باهتة ولكن التبحر بعمق في خطوط هذا العمل الفني يتبين لنا أننا لن نجد تعبيراً أصدق من خلط هذه الرموز.
لوحة جدارية وصف فيها قصف مدينة غارنيكا عام 1937 ويجسد بشاعة الحرب وتعتبر هذه اللوحة رمزاً فنياً عالمياً يصور مآسي الحروب، فالعيون جسدها الفنان على شكل دمعة، ففي زمن الحرب الألم يختصر الإنسان ويحوله إلى دمعة.. دمعة قاسية هل نستطيع إيقافها!!
لوحة الفنان بيكاسو لغة عالمية تجمع صوراً متنوعة في وحدة متكاملة، حصان في وسط اللوحة وفي الشمال ثور ماذا أراد أن يقول بيكاسو باستخدامه صورة الحصان والثور؟
أدعوكم لتأملها فهي تعكس حساسية الفنان أمام مأساة مؤلمة جسدها عبر رموز مختلفة تحتاج منا الغوص بأعماقها لفهم روحها في العدد القادم فهي محاكاة لآلامنا.