إراقة الحبر الأسود.. بقلم: إيفلين المصطفى

إراقة الحبر الأسود.. بقلم: إيفلين المصطفى

تحليل وآراء

الأحد، ٢٤ يناير ٢٠١٦

Evlism86@gmail.com
وسط الأزمات والصراعات السياسية التي يشهدها العالم نتيجة انتشار الإرهاب والعنف الإنساني، تسير المحركات الاقتصادية بطريقة توازي تلك الصراعات وحدتها، ورغم اشتعال النيران في دول عربية وغربية، وتزايد الانقسامات بين التيارات اليمينية واليسارية والأقطاب التي تسعى لفرض سيطرتها على العالم، نجد أن مسار النمو الاقتصادي في العالم بدأ يتدهور وينحني في العديد من الدول ، ومن أبرز المؤشرات التي شهدها العالم مؤخراً، كان سوق الذهب الأسود الذي كان يرسم خطوط السياسات والاستراتيجيات لعدد من الدول المنتجة والمصدرة للنفط.
مؤخراً ضجت وسائل الإعلام بأخبار انخفاض سعر برميل النفط دون 30 دولاراً للبرميل، وبدأ المحللون والخبراء بنشر توقعاتهم وتحليلاتهم المستقبلية والتوقع بأن ينخفض سعر البرميل إلى ما دون 20 دولاراً مستقبلاً، لكن المتابع لحركة سير الاقتصاد والتداولات، يجد أنه من غير المنطقي فرض توقعات مستقبلية بهذا الحجم وخاصة أن مسار التغير الاقتصادي يتأثر بالعديد من الظروف والأحداث السياسية في العالم.
و مع وجود مجموعة تراقب الأسعار الحالية للنفط في محاولة منها لوضع السعر المنخفض الأخير للنفط يبدو ذلك شبه مستحيل وغير مجدٍ، لأن الأسواق تتوقف عن الانخفاض بأسعارها فور توقف حركة البيع لفترة وجيزة.
لكن ما يمكن الحديث عنه هنا من خلال العودة إلى الإطار الزمني فترة الأزمة العالمية عام 2008، حينها كان هناك اعتقاد سائد بأن أسعار النفط ستنخفض، لكن في الواقع فإن الأسعار تحركت ووصلت إلى ما فوق 110 دولارات للبرميل، ولم تصل الأسعار إلى ذروتها حتى أوائل تموز حين سجلت 145 دولاراً للبرميل ، وبالتالي فإن سعر النفط حالياً عند حدود 30 دولاراً للبرميل يمثل حالة من عدم الاستقرار، خاصة بوجود اقتصاد قاتم ووجود وفرة من الإمدادات الحالية للنفط.
ولتوصيف المشهد بشكل دقيق نجد أن مجموعة الدول المنتجة للنفط البالغ عددها 13 والتي تتخذ من فيينا مقراً لها، تعيش حالياً حالة من الانقسام، ويبدو أنها تواجه أسوأ أزمة داخلية مرت به خلال عمرها البالغ 55 عاماً، هذا الانقسام بدا واضحاً في منتدى الطاقة الذي عقد في أبو ظبي الأسبوع الماضي، وضم عدداً من وزراء الطاقة حيث كشف عن الخلاف الواضح بين الدول المنتجة للنفط أوبك، إذ  أبدى وزير النفط النيجيري والذي كان يشغل منصب رئيس سابق لمنظمة أوبك رغبته بعقد اجتماع طارئ لمنظمة أوبك بهدف مناقشة احتمال خفض الإنتاج للمساعدة في وقف انهيار أسعار النفط، بعيداً عن التوترات القائمة بين أوبك والدول المنتجة للنفط خارج المنظمة، إلا أن هذه الرغبة قوبلت بالرفض من وزير النفط الإماراتي بحجة أنه من غير العدل مطالبة أوبك بخفض الإنتاج من جانب واحد وخاصة أن استراتيجيتها في السوق تعمل بشكل جيد، هذا الرفض يؤكد بأن الإمارات العربية تمسك بخط سياسة السعودية المنتج الأكبر للنفط .
يبدو واضحاً أن أوبك تنقسم إلى معسكرين رئيسيين: الأول مكون من تسعة أعضاء بدءاً من الجزائر إلى فنزويلا ، حيث يرغب أعضاء هذا المعسكر بالتخلي عن حرب الأسعار التي تقودها السعودية مع المنتجين من خارج أوبك، ويرون أن المشكلة بالنسبة لهم أن المعسكر الثاني الذي يضم السعودية والكويت وقطر والإمارات العربية يريدون مواصلة القتال وخفض الأسعار بشكل يضر بالاقتصاد الروسي والإيراني، رغم أن هذا القتال يضر باقتصادات بعض الدول الموجودة ضمن أوبك  والتي تعتمد على تصدير النفط بشدة، مثل دول أميركا اللاتينية و المنتجين الأفارقة الذين هددوا بالانسحاب من المنظمة  بسبب الألم الذي يمر به اقتصادهم.
وللتعمق أكثر في خفايا الحرب القائمة في سوق النفط، نجد أن أوبك شاركت عام 2009 وحركت السوق حينما ارتفع سعر النفط الخام إلى 147 دولاراً للبرميل، حينها فتحت السعودية أنابيب النفط لخفض الأسعار، ولكن اليوم نجد أن سعر النفط انخفض دون 40 دولاراً للبرميل ولم تغير أوبك من سياستها.
وهنا لابد من الإشارة إلى لعبة التغير العالمي، التي تشترك فيها الولايات المتحدة من خلال خفض إنتاجها للنفط من 9.6 ملايين برميل يومياً إلى ما يقرب 8 ملايين بحلول نهاية العام الحالي، ومع تردد التساؤلات حول اتجاه سوق النفط الأميركي في إشارة إلى ثورة النفط الصخري الحاصلة في أميركا وزيادة روسيا لإنتاجها النفطي، فإن هذا الأمر أحدث توتراً غير مسبوق داخل منظمة أوبك.
وبالتالي لا يمكن أن يأتي الاجتماع الطارئ الذي اقترحته نيجيريا في وقت أكثر صعوبة من الوقت الراهن وخاصة أن إيران لا تزال تخطط لإضافة ما يصل إلى واحد ونصف مليون برميل يومياً بحلول نهاية العام، ما يعني أن رغبة وزير نيجيريا ربما تتحقق وخاصة أن الجميع في نهاية المطاف سيبحث عن مصلحته ما سيضطرهم لتغيير سياساتهم.
ولأن الأغلبية تبحث عن خبر يقين إلى الحدود الدنيا التي يمكن أن يصل إليها سعر النفط ما يعرف اقتصادياً بسعر القاع، فإنه من وجهة نظري من  المستحيل معرفة سعر القاع أو تخمينه. ولكن يمكن أن نستقرئ الإطار الزمني لهذه الخطوة، إذا كان عام 2008 يمثل دليلاً لهذه المرحلة ، فهذا يعني أن سوق النفط يحتاج ربما لثلاثة أشهر أخرى من التحركات المتقلبة  قبل تحديد السعر المنخفض أو الوصول لسعر القاع .
حالياً سيبدأ الجميع بالادعاء أنه يعرف السعر الأخير الذي ستسجله أسعار النفط، لكن مع ذلك فإننا نشهد أن الأسعار تخرج من تلك التنبؤات. وإذا كانت أنماط عام 2008 في مجال النفط تصح، هذا يعني أن هناك نتائج أسوأ بكثير للأسهم.على أقل تقدير  فإن الأشهر الثلاثة المقبلة للنفط مخيفة جداً- وبالتالي ربما الأسهم.