اللغو بين المصطلح المفيد والفكرة اللامعة.. بقلم: د. فائز الصايغ

اللغو بين المصطلح المفيد والفكرة اللامعة.. بقلم: د. فائز الصايغ

تحليل وآراء

السبت، ١٦ يناير ٢٠١٦

كلما تابعت محللاً سياسياً أو حتى اقتصادياً يُبحر في الأزمة – المؤامرة- أو استمعت إلى المنابر وما وراء المايكروفونات وهم تحت الضوء أخلص إلى نتيجة أن التفاوت في فهم ما يجري لنا ومن حولنا كبير.
أخذتنا المصطلحات وبعض الفبركات إلى حيث لا نريد أو حيث يريد لنا البعض، وجرف التيار الكثيرين إلى مفاهيم مغلوطة تصيب مقتلنا وعقلنا وقناعاتنا على الرغم من مرور خمس سنوات على الضخ الإعلامي الوافد أو الضخ الإعلامي المضاد..
أفهم أن سرعة وتسارع الأحداث وانعكاساتها السلبية على الجميع بمن فيهم نخب المنابر لم تُفسح في المجال أمام وقفة متأنية لتحليل الظواهر والمظاهر، ولم توفر فسحة للتعمق فيما إليه ذاهبون إن بإراداتنا أو بإرادة من يدير الأزمة إقليمياً وعالمياً وفق معاييرهم ومفاهيمهم لحقيقة الأمور على فرضية أنهم باتوا يعرفون الكثير من الحقائق والقليل من الحيلة للمعالجة الجذرية المطلوبة.
تشتتت رؤية ومصطلحات المحللين والخطباء وكل من وقف واسترخى خلف المايكروفون؛ لا بل تناقضت أحياناً، فالارتجال أحياناً يأخذ صاحبه إلى حيث لا يريد. واحتكار الفرصة والإطلالة تدفع صاحبها نحو "اللغو" في التكرار أو في جهد استحضار المصطلح المفيد أو الفكرة اللامعة والتي قد تخبو وتخذل صاحبها.
تشتت الرؤية وتعدد المصطلحات والتناقض ينعكس على المتلقين فيزداد الضياع ويكبر الفراغ، وتزداد المسافة اتساعاً بين المنابر والجمهور، بين الصوت والصدى ورجع الصدى، من دون أن نتمكن من تحديد مسار لغوي أو منهج بحتوي لإدارة حوار أياً يكن شكله سواء بين اثنين من المتحاورين أو في ندوة مع فقدان أغلب من يدير الندوات لأبسط قواعد الإدارة التي من أهم شروطها الحفاظ على الهدف من الندوة واستخلاص النتائج المراد الوصول إليها ورسم آلية تنفيذ هذه المستخلصات على أرض الواقع..
بعد خمس سنوات من المؤامرة، وبعد اتضاح أهدافها وانكشاف أدواتها وتعرية شخوص التمثيليات الإعلامية والفبركات السياسية ينبغي أن نعكف على صياغة خطاب سياسي وإعلامي مختلف يخاطب الأسباب التي أدت إلى الكثير من الخلل المجتمعي في مجتمع يُفترض أن يكون أكثر تحصيناً وأكثر صلابة وأكثر وحدة وتماسكاً وأكثر خبرة في مواجهة المنعطفات الحادة أو المؤامرات والمجوقلة عالمياً.
الصحيح والذي أثبتت الأحداث صوابية أن الشعب السوري على الرغم مما أصابه في نقاط ضعفه، ومما نال منه في الثغرات المكتشفة استطاع بوعيه السياسي وتماسك وحدته الوطنية أن يقف في وجه المؤامرة الكونية وأن يسبق في مواقفه النخب التي تحاضر فيه.
لكن الأصح أننا بعد خمس سنوات من مواجهة نماذج جديدة ومستحدثة لاستهداف سورية أن نعكف منذ بداية الأزمة على دراسة وتحليل ما أصاب إنساننا ومجتمعنا وعقائدنا ومصطلحاتنا من أعطاب، وما حصل من ثغرات وإيجاد فكر سياسي وأساليب إعلامية مستوحاة من المعاناة لكي نجسر الهوّة في مناطق الضعف ونحوّلها بفكر متجدد إلى نقاط قوة في مجتمعنا السوري، وأن نولي سوريتنا كل الاهتمام، ففي سوريتنا تكمن العروبة وتكمن العقيدة معاً.