الحل السياسي في سورية بين التصعيد السعودي والتقدم الميداني للجيش

الحل السياسي في سورية بين التصعيد السعودي والتقدم الميداني للجيش

تحليل وآراء

الأربعاء، ١٣ يناير ٢٠١٦

سركيس ابو زيد
بداية مقلقة وغير مشجعة للعام 2016؛ فقد حدث تطور دراماتيكي في مسارات وأوضاع الشرق الاوسط مع افتعال السعودية ازمة مع ايران لطمس قرارات الإعدام التي نفذتها مؤخرا . إن مسار العلاقات بين إيران والسعودية كان يسلك منذ مدة مسارا تصعيديا وتصاعديا دافعا بالعلاقة الى الانحدار السريع، الذي وصل الآن الى القعر ومرحلة القطيعة، مع إعلان السعودية قطع العلاقات الدبلوماسية مع ايران على خلفية اعدام الشيخ نمر النمر والهجوم على سفارة السعودية في طهران والقنصلية في مدينة مشهد، واستمرار الرياض في حملة التصعيد.
ولأن التدھور الخطير في العلاقات بين السعودية وإيران يھدد بإطاحة محاولات الحل الخجولة التي وضعھا المجتمع الدولي لوقف الحرب في سوريا وعليھا، خصوصاً أن للدولتين نفوذاً أساسياً في الصراع السوري، سارع دي ميستورا للانتقال إلى الرياض ومنھا إلى طھران، في محاولة استباقية لفھم تأثير قطع العلاقات بين السعودية وإيران على المفاوضات بين السلطات السورية والمعارضة، التي عادت إلى وضع شروط لإطلاقھا، بينھا الإفراج عن المحتجزين السياسيين ووقف قصف البلدات والمدن، في مؤشر جديد الى أن المفاوضات التي ستجري في جنيف قبل نھاية شھر كانون الثاني/يناير الجاري ستكون صعبة وشاقة وشبه مستحيلة.
مصادر دبلوماسية أوروبية اعتبرت أن التقدم الذي تحقق في الملف السوري في فيينا، وترجم إلى قرار دولي صدر بالإجماع عن مجلس الأمن ما كان ليحصل لولا وجود الحد الضروري من التفاھم الإقليمي والدولي على أن الحرب في سوريا لا يمكن أن تنتھي إلا بحل سياسي لأن الحل العسكري غير ممكن".
وترى ھذه المصادر أن استعجال توجه المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى الرياض ثم لاحقا إلى طھران يعكس قلق الأسرة الدولية من الانعكاسات السلبية للأزمة السعودية الإيرانية المفتوحة على الملف السوري ومستقبل مفاوضات جنيف، المنتظرة مبدئيا بين النظام والمعارضة في 25 من الشھر الحالي.  وتنظر المصادر بكثير من الحذر إزاء ما يمكن أن تفرزه المحادثات التي  ستكون مثقلة بأجواء التصعيد  المسيطرة حاليا بين الدول الإقليمية المؤثرة في الملف السوري.
هذا الحوار المزمع إجراؤه ھذا الشھر سيجري على أساس القرار الدولي رقم 2254 الذي تميز بالتالي:
-خلو القرار من أي إشارة بالاسم إلى النظام السوري الذي تعامل معه كطرف في أزمة يقف فيھا على قدم المساواة مع أطراف المعارضة "المعتدلة".
-إشارته بالاسم إلى كل من تنظيم "داعش" و"جبھة النصرة"، بوصفھما تنظيمين إرھابيين يتعين القضاء عليھما .
-إقراره ضمناً بأن تغيير النظام الحاكم في سوريا لا ينبغي أن يكون ھدفاً لأي طرف آخر سوى الشعب السوري وحده.
وانطلاقاً من ھذا التصور العام حظيت هذه التسوية بقبول جميع أعضاء مجلس الأمن، وتضمن القرار 2254 إجراءات وجداول زمنية محددة، على النحو التالي:
-مفاوضات رسمية بين ممثلي النظام والمعارضة، تبدأ في كانون الثاني 2016، بدعوة من الأمين العام للأمم المتحدة، مرجعيتھا بيانا جنيف وفيينا، تستغرق ستة أشھر، وتنتھي باتفاق على آليات لصياغة دستور تجري على أساسه انتخابات برلمانية ورئاسية جديدة.
-وقف لإطلاق النار، والذي يبدأ سريانه فور الانتھاء من الاتفاق على تفاصيل مرحلة انتقالية يتعين الشروع في وضعھا موضع التطبيق والانتھاء من تنفيذ بنودھا ومراحلھا كافة خلال ثمانية عشر شھر اً.
-حرب على كل المنظمات الإرھابية المدرجة على قائمة سيتم الاتفاق عليھا لاحقاً، حتى يتم القضاء عليھا نھائياً، ويفترض ضمناً تعاون فصائل المعارضة والنظام السوري في الجھود الدولية والإقليمية الرامية لاستئصالھا.
وبقدر التفاؤل الذي اثاره القرار الدولي لإنھاء الحرب في سوريا لكونه الأول من نوعه منذ نحو خمس سنوات ارتسمت تساؤلات عن إمكانية تنفيذ ھذه الخطة، بما فيھا وقف النار وإطلاق محادثات بين النظام والمعارضة وصولا الى الالتزام بالجدول الزمني لتأليف حكومة وإجراء انتخابات في غضون سنتين. أما مستقبل الرئيس السوري بشار الأسد فقد تجاوزه الجانبان للتوصل الى القرار الدولي .
مصادر دبلوماسية غربية اعتبرت أن الأمور لن تتم بسھولة وأن صعوبات سياسية كثيرة تعترض عمل المبعوث الدولي ستيفان دي ميتسورا. كذلك انتقدت ھذه المصادر المنھج الذي اختاره وزير الخارجية الأميركي جون كيري، وأسلوبه في التعاطي الملتبس والمتناقض مع المسائل العالقة. وهناك صعوبة أخرى تتمثل بضرورة التوصل الى توضيحات لمسائل أساسية، أبرزھا: شكل الحكومة المفترض أن تتشكل بحسب قرار مجلس الأمن، وخريطة الطريق التي تم التوصل إليھا في فيينا، والصلاحيات التي ستنقل إلى الحكومة، والدور الذي سيبقى للرئيس السوري وخصوصا فيما يتناول الأجھزة الأمنية والقوات المسلحة. وهذه التفاهمات مرتبطة أيضا بموازين القوى وبالوضع الميداني الذي يتحسن لصالح الدولة .
أيضا ترى هذه المصادر أن الاختبار الجدي لمجمل عملية المسار السياسي ھو في مدى تلاؤمه مع التطورات العسكرية. والحال أن الحملة الجوية الروسية المكثفة ما زالت تتطور، وروسيا تعمل على توسيع لائحة التنظيمات الإرھابية التي لن يشملھا وقف إطلاق النار من جھة، ولن تكون مقبولة على طاولة المفاوضات في جنيف من جھة ثانية.
ھناك حقيقة لا يمكن تفاديھا، وھي أن قرار مجلس الأمن ھو نوع من الحل الوسط بين الأطراف الدولية والإقليمية المعنية بالأزمة السورية، وليس بين السوريين أنفسھم. في حقيقة الأمر القرار هو تفاھم بين دولة عظمى :الولايات المتحدة لا تريد التورط عسكرياً في الأزمة السورية، بينما روسيا انخرطت عسكرياً وسياسياً فيها، وأصبحت تمسك بملفھا أكثر من غيرھا. انطلاقاً من ذلك، فإن إمكان تنفيذ القرار ونجاحه في إخراج سورية من مأزقھا يعتمد قبل أي شيء آخر على ما تنوي روسيا أن تفعله لتحقيق ھذا الھدف. فھل تريد انتقالا سياسيا أم أنها تسعى الى فرض تسوية سياسية؟!
ومن المتوقع، في سياق كھذا، أن يجد مجلس الأمن نفسه مضطراً إما إلى اتخاذ قرار جديد بفرض التسوية المنصوص عليھا في القرار 2254 وفقاً للفصل السابع من الميثاق، أي بفرض عقوبات صارمة قد تصل إلى حد استخدام القوة العسكرية ضد كل من يحاول عرقلتھا، وھو أمر لا يبدو محتملاً في ظل موازين القوى الراھنة في النظامين الدولي والإقليمي، وإما أن تترك الأزمة تتفاعل على الأرض مع الحرص في الوقت نفسه على التحكم في ضبط إيقاعھا بما لا يؤدي إلى مواجھة عسكرية مع روسيا، بانتظار نتائج انتخابات الرئاسة الأميركية في نھاية العام المقبل، وھو الاحتمال الأرجح.
في ظل هذه الظروف الانتقالية والصعبة، تعمل بعض اطراف المعارضة في الخارج مدعومة من دول عربية فشلة في رهاناتها، على مزيد من التدويل علها تحسن حصتها في التسوية من خلال الاستقواء بالخارج بعد ان فقدت حضورها الفاعل على الأرض. خاصة وان الحلول السياسية المطروحة كشفت عجز المعارضة عن تشكيل وفد جدي وازن للحوار، ما اعطى ارجحية للحكومة لانها الجهة الشرعية والقوية القادرة على الالتزام والحل
العهد