بين «نازية» أردوغان و«فاشية» أصحاب الطموحات الانفصالية: هل اقتربت معركة حلب الكبرى؟

بين «نازية» أردوغان و«فاشية» أصحاب الطموحات الانفصالية: هل اقتربت معركة حلب الكبرى؟

تحليل وآراء

الأحد، ٣ يناير ٢٠١٦

فرنسا- فراس عزيز ديب
في آذار 2014، زلَّ لسان «رجب طيب أردوغان» في إحدى مقابلاته، وبدل أن يقول (لم أُطعم أبنائي يوماً من المال الحرام)، قال: (لم أطعم أبنائي يوماً من المال الحلال). يومها قلنا إن هذه الزلّة قد تبدو منبثقةً عن فكرة «فرويد» بأن الإنسان يُخرج اللاشعور أو المكبوتات عن طريقِ التصرفاتِ اللاإرادية أو زلات الكلام، قد يكون هذا الكلام هو عين الحقيقة التي أراد أردوغان البوح بها، إما نتيجة لحالة الغرور التي يعيشها، أو نتيجة لحالة الضياع التي وصل إليها.
قبل ساعاتٍ من انتهاء عام 2015، عاد «أردوغان» لذات الأسلوب، وعندما كان يدلي بتصريحٍ عن أهمية تحويل النظام في تركيا لنظامٍ رئاسي، استشهد بأهمية وعظمة التجربة الهتلرية التي يريد أن يحتذي بها. هنا قد يحزم «فرويد» حقائبه ويطير مسرعاً إلى المكان الذي كان فيه «أردوغان» قبل أن يُدلي بهذا التصريح؛ أي مملكة «آل سعود»، لا ليدرس أثر اللاشعور في كشف مكنونات الشخص فحسب، لكن ليضيف إليها تأثير الوسط المحيط على اللاشعور والذي يدفعنا ليس لزلات اللسان فحسب، لكن لزلات الأخلاق أيضاً.
من حق الجسم الإعلامي التابع للرئيس التركي أن يجهد ليرمِّم هذه التصريحات ويعتبرها مجتزأةً، لأنهم تفاجؤوا بطريقة التعاطي الغربي معها، لكن ما ليس مفهوماً أن تتعاطى وسائل الإعلام الغربية مع هذا الكلام بطريقةٍ تُظهرها وكأنها تفاجأت من التصريحات، حتى الصحف الفرنسية مثلاً والتي من المفترض أنها بعطلة الميلاد يوم الجمعة الفائت، أفردت عبر نسختها الإلكترونية مساحات للحديث عن هذه التصريحات، دون أن يطرحوا جوهر الموضوع والمتمثل بأسئلةٍ منطقيةٍ منها:
كيف لشخص يتمثل بالنازية الهتلرية -أو الفاشية لا فرق- وهو بالوقت ذاته شريكٌ إستراتيجي لحكوماتهم في الاتحاد الأوروبي لإيجاد حلول للمشاكل العالقة في المنطقة ومنها مسألة اللاجئين؟ كيف لشخصٍ يتمثل الحالة الهتلرية وهو شريكٌ لدول الناتو في حلفهم العسكري؟ إذا كُنتُم في أوروبا الآن تطاردون من تسموهم «النازيين الجدد»، نظراً لتاريخ النازية الأسود في الجرائم ضد الإنسانية حسب ما تبررون، فماذا عن «العثمانيين الجدد»، ألم تعترفوا أساساً أن العثمانيين ارتكبوا مذابح راح ضحيتها الملايين؟ لماذا لا تريدون الاعتراف بأن «أردوغان» هو استمراريةٌ لتلك الفاشية العثمانية منذ حقبة «السلطان سليم» حتى حقبة الجرائم (التركية- الداعشية) بحق الشعبين السوري والعراقي. بالتالي إما أن تعترفوا أن الجميع يمتلك بداخله تلك الحالة الهتلرية دون أن يشعر، أو أن الحالة الهتلرية باتت أمراً واقعاً، لكن الفرق بينها وبين هتلر الحقيقي أنها اليوم باتت مفيدةٌ لمن يريد استغلالها للوصول لمآربه، فماذا عن الحالة الهتلرية في المنطقة؟
لكي نحلِّل الحالة الهتلرية في المنطقة، لننظر إلى الزيارة التي قام بها «رجب طيب أردوغان» إلى مملكة «آل سعود»، لأنها تجسيدٌ حقيقي لتعويم هذه الحالة الهتلرية التي يرضى عنها الغرب. ماذا يمكن للمرء أن يرتكب من جرائم أكثر مما ارتكبه «آل سعود» بحق الشعب اليمني حتى يحمل لقب «فاشي» أو «نازي»؟ ماذا يمكن للمرء أن يرتكب من جرائم أكثر مما ارتكب الأتراك بالاتفاق مع «داعش» وأخواتها من جرائم بحق الأبرياء، وسرقةٍ ونهبٍ وباعتراف هذا الغرب حتى يحمل لقب الفاشي؟
إن هذه الفاشية تجسدت وبشكلٍ واضح في الإعلان عن قيام مجلسٍ إستراتيجي بين الأتراك و«آل سعود»، هذا المجلس الإستراتيجي هو مجلس «المصدومين»، فـ«آل سعود» يحملون لقب «أكثر من أعلن وانضم لتحالفات في عام 2015» دون نتيجةٍ، لكن «أردوغان» يحمل أيضاً لقب «أكثر من هدَّد بمناطق عازلة» ولم يحقق منها شيئاً. هذا الاتفاق يوحي بأن العلاقات بين الجانبين ستأخذ منحى تصاعدياً أكثر بعكس ما يعتقد البعض أن ما يجري هو تحالف الضرورة، حتى تأكيد وزيري الخارجية على تطابق وجهات النظر بشأن ملفاتٍ عدةٍ، هو ليس نوعاً من المجاملات الدبلوماسية، هو نوع ما حقيقة، لكن ما هو هدفها؟
من المفيد مع بداية العام أن نذكِّر بأن أي محاولة لفهم ما يجري حالياً يجب أن تنطلق من مسلَّمةٍ أساسيةٍ، بأننا في زمنٍ سقطت فيه كل المعايير والخطوط الحمراء الدولية، وبتنا في عالمٍ لا محددات له، حتى الأمم المتحدة التي كان البعض يظنها نقطه توازنٍ في الحد الأدنى، سقطت منذ إعلان الحرب الأميركية على العراق وأفغانستان، فيما المجرمون الحقيقيون في أحداث 11 أيلول كانت جنسياتهم واضحة.
كذلك الأمر، فإننا في المنطقة العربية بتنا على حافة الزمن، إما أن نتلاشى كدولٍ، أو أن نستعيد بالحد الأعلى حدود (سايكس بيكو)، بشرط أن هذه الاستعادة لديها ثمنٌ، لأنه يستحيل أن ننجو معاً (ضحيةً ومجرماً)، فإما أن يبقى الضحية ضحيةً وينتهي، أو أن ينتصر الضحية ويتلاشى المجرم، عليكم الخروج من فرضية (الجميع منتصر أو الجميع مهزوم)، حتى الشعارات التي تربينا عليها منذ سبعينيات القرن الماضي من كون «إسرائيل» عدواً وتحرير فلسطين واجباً، باتت مثار جدلٍ كون الانهزاميين هم من يقودون الفضاء الإعلامي والسياسي. أما مفهوم الأمن القومي العربي المشترك فسقط بدخول «صدام حسين» مشيخة الكويت، وكل ما يُكتب ويُقال عن أمنٍ قومي عربي هو كذبةٌ كبيرة هدفها التمسك بالوهم. نحن الآن فعلياً أمام واقعٍ جديدٍ يغزل لنا أثواباً نرتديها مستقبلاً، والجميع يظن نفسه ممسكاً بالسنارتين ليحيك المستقبل كما يحلو له، أياً كانت الوسيلة، لكن قد يأتي يوم، إن لم نتعامل بواقعية مفرطة، فسنكتشف بأننا لسنا أكثر من مستهلكٍ لما يحيكه لنا الآخرون.
لم يعد الحديث عن قيام «إقليم سني» في العراق حديثاً سرياً، هذا الكلام مطروح منذ زمنٍ، هذا الكلام في السابق كنا نراه فكرةً أميركيةً هدفها تعويم الدويلات الطائفية المحيطة بالكيان الصهيوني من أجل تدعيم فكرة يهودية الدولة. اليوم بات الأمر مختلفاً لأنه حاجةٌ لدول المنطقة التي تريد الهروب من شبح «فشل إسقاط الدولة السورية»، لكن تبقى هناك معضلةٌ أساسية أمام الخطا الحثيثة التي يسير فيها هذا المشروع، ماذا عن مستقبل الدولة الكردية؟ هل ستكون الدولة ممتدةٌ من شمال العراق حتى «عفرين»، وكيف ستتم الموازنة بين هذا الأمر والموقف التركي؟
منذ أن حدثت معركة «عين العرب» قلنا إن هناك ألغازاً عدة في هذه المعركة، أهمها إخفاق «داعش» في السيطرة على المدينة مع أنها في السابق أسقطت مدناً ومناطق يفوق عدد سكانها ومساحتها أضعاف «عين العرب». كذلك الأمر هو الحالة الإعلامية الدولية التي ترافقت مع المعركة، وتعويم هذا الحدث إعلامياً وربطه دائماً بالحديث عن «حق الكرد» وما شابه، فهل إن الأمر كان يومها يتطلب التضحية بمدينةٍ كاملةٍ لجعلها نقطة انطلاقٍ شرقاً وغرباً لإعادة رسم خريطة السيطرة الداعشية، وما يرافقها من انسحاب مرسوم بالمليمتر لمصلحة «الأكراد»، وما يجري اليوم مع ما يسمى «قوات سورية الديمقراطية»؟!
من الواضح أن هذه القوات بغض النظر عن كونها مدعومةً أميركياً، لكنها أيضاً صورةٌ إعلامية لشيءٍ ما أخطر، كقيامهم برفع علم عليه خريطة لسورية تتضمن «لواء اسكندرون المحتل» من دون اعتراض تركي، أو الادعاء بأنها تمثل كل أطياف الشعب السوري وهي كذبةٌ إعلامية ككذبة أن «أحرار الشام» هم معارضةٌ معتدلة، فهل حقاً أن هذه القوات تتقدم في وجه «داعش»، أم إن «داعش» تنسحب من المناطق التي ترغب الولايات المتحدة في تسليمها لهذه القوات، لتكون نواة لمشروعٍ ما قادم؟
كذلك الأمر، لا أحد بعد اليوم يستطيع إنكار ما يتم من عمليات تطهيرٍ عرقي للمناطق الحدودية، كما جرى في «تل أبيض» وغيرها، لكن الأخطر أن هذه العمليات قد تكون بدأت تأخذ منحى آخر، لننظر مثلاً إلى التفجير الأخير الذي وقع في مدينة «القامشلي»، لندقق في أسماء الشهداء ولنتساءل: هل حقاً أن «داعش» هي من قامت بالتفجير أم إن «داعش» «جسمها لبيس»؟ لأن من قام بالتفجير هو «داعش» من نوعٍ آخر، بهدف ترحيل ما تبقى من «آشوريين» في المدينة (آخر الإحصائيات تشير لبقاء 15 ألفاً من أصل 200 ألف)، لكي تصبح المدينة ذات لونٍ واحدٍ تمهيداً للربط الجغرافي الموعود.
علينا بموضوعيةٍ أن نتعاطى مع ما يجري بشيءٍ من توسيع الحلقة، لأن «أردوغان» لم يزلّ لسانه أبداً، بل نطق بالحقيقة بأننا اليوم أمام نقطة التقاءٍ لفاشياتٍ كبرى وصغرى، جميعها متوافقٌ في المصالح، هذا الالتقاء ربما ليس من السهولة الوقوف بوجهه، تحديداً أننا أمام حالةٍ من السقوط الأخلاقي التي تعتبر أن إعدام «آل سعود» للمعارض «نمر النمر» إعدام لإرهابي، على حين مقتل «زهران علوش» هو قتلٌ للروح التفاوضية لإيجاد حلٍ سلمي في سورية، فهل ستكون بداية 2016 تحمل تعديلاً من نوع جديد؟
من ينتظر الحلول السياسية سينتظر كثيراً، ومن لا يزال مقتنعاً أن «داعش» هم فقط حملة «الرايات السود» مخطئٌ، «داعش» عابرةٌ للطوائف والأيديولوجيات والحدود، ومن ينتظر انفجار الوضع في مملكة «آل سعود» بسبب إعدام النمر سينتظر كثيراً، تحديداً أن أهالي المنطقة الشرقية يدركون أن «آل سعود» قد يفعلون بهم أسوأ مما يفعلون بشعب اليمن، دون أن يردعهم أحد. ما يجري الإعداد له لا يجب التعاطي معه بسهولةٍ والاعتبار دائماً بأن الطرف الآخر «أفلس»، لأن استفتاء استقلال «إسرائيل الشمال» لم يعد مرهوناً بقيام الإقليم «السني» في العراق فحسب، لكنه بات بانتظار ما ستؤول إليه المعارك بين ما يُسمى «قوات سورية الديمقراطية» والمجاميع المسيطرة على ريف حلب الشمالي بما فيها «إعزاز»، تحديداً أن نجاح هذه القوات بدخول «إعزاز» وربطها بـ«عفرين» المحاذية لها سيعني حكماً أن المشروع يسير بهدوء كما يريدون، فماذا جهزنا لوأد هذا المشروع الخطير؟
هل حان الوقت لإعلان معركة «حلب الكبرى»… لننتظر، فما زلنا في الأيام الأولى من عام 2016.