الربيع العربي.. بقلم: محسن حسن

الربيع العربي.. بقلم: محسن حسن

تحليل وآراء

الجمعة، ١١ ديسمبر ٢٠١٥

في قلب الشتاء، والزمهريُر يُسيطر على الدنيا، والصّقيع يُجمّدُ أوصال الكون، والأغصانُ تُصارع الموتَ، وتعاني بين يديه، والدّماءُ تجري بطيئةً في الشرايين، وتقتربُ من التّوقف عن الاندفاع باتّجاه القلب - نقطة بداية الحياة -..
في هذا الجوّ الكئيب البارد الباكي، بُشِّر العربُ بشروقِ شمسٍ، وقدومِ دفءٍ، وما سمّوه لهم قسراً " ربيعاً عربيّاً "... !
استخدمناه في إعلامنا، كما سمّوه، ربيعاً، وعشناه في حياتنا، واقعاً – كما هو – شتاءً، ورعباً وخوفاً، وموتاً وتقطيعاً...ذبحاً بالسكاكين...
مع الربيع العربيّ: جاءت الآلام، وتحطّمتِ الأحلام، وسادَ الظلام، ووزّع الموتُ مجّاناً على الجميع، وامتلأتِ الدنيا أجساداً فُصلتْ عنها الرؤس...
خطّطوا لموتنا، وسمّوا لنا المُسمّيات بغير أسمائها في كلّ مناحي الحياة، تضليلاً وضياعاً، وأخذناها، وتداولناها – كما سمّوها – خلافاً لجمال لغتنا وسعتها، وقدرتها على الاستيعاب والتّعبير... !
عمّتِ الوطن العربيّ أفعالٌ لا أسماء تدلُّ عليها، وأُعطيْت أسماءُ لا تُعبّر عنها، فسمّوا لنا الإرهابَ ثورةً، والشتاءَ ربيعاً، والموتَ حياةً، والدمارَ بناء، والكفرَ إيماناً..فاختلطتِ الأمورُ ببعضها، ضاعَ العقلُ وتاهَ الفكرُ وصَعُبَ الفَهمُ...!
كان ذلك تضليلاً إعلامياً ناجحاً بالنسبة لمن طرحوه، وتخلّفاَ وفشلاً ذريعاً تَلقّوه، كان علينا منذ البداية، ألا نقبل بتسمية الأشياء بغير أسمائها الحقيقية، المعروفة بها – لغةً – حتى لا تُشوّه المسمّياتُ والحقائقُ والثقافات، وتُفهَم الوقائعُ والأحداث...وأن نقف ضدّ استخدام الأسماء والمصطلحات التي لا تدّل على مُسمُّياتها، وضوحاً، وتحديداً، وحصراً !
كان على إعلامنا أن يكون أكثر براعةً، ورجال ديننا أن يكونوا أكثر وضوحاً وتوضيحاً وصراحة، ومجتمعنا أكثر ذكاء ًووفاءً وإخلاصاً وتماسكاً، والوقوف جميعاً صفّاً واحداً، في وجه هذا الإرهاب الدّولي، الذي جاء من كلّ أنحاءِ العالم، ومن بعض الإخوة - وهنا الجراح الكبرى، الراعفة النازفة المؤلمة -...!
ما أحدثهُ هذا الإرهابُ الذي اجتاح الأُمّة، فوقَ التَصّور والخيال، هو ما بعدَ الإجرام، وفوقَ التّوحّش، تجاوزَ الكفر والفسق والمجون،.. قضى على كل ما اعتزّ به العرب والإسلام والمسلمون من دينٍ وخشية ورحمة ومحبّة ومروءة وشهامة وعفّة وحضارة وانتماء.
اجتمع في سوريّةَ أعداءُ الدّين، والمُرتزقة، وشذّاذُ الآفاق واللصوصُ، وهواةُ القتل للقتْلِ، وأعداءُ الإنسانيّة، وكارهو الحياة...مدعومين بكلّ الإغراءات  :الدينيّةِ والإسلاميّةِ، بجنّتها وحوريّاتها، والماليّة العربيّة، والعسكريّة التركيّة، والإعلاميّة الأميركية_الإسرائيليّة، بكل أكاذيبها وأضاليلها وإمكانيّاتها...
اجتمعوا جميعاً لتدمير الوطن العربي، والقضاء على معتقداته وثقافته وتماسكه، وذَبْحِ شعبه الآمن بسكاكين حقدهم وغدرهم، بإرهابيّين مسلوبي الإرادة، مغسولي الأدمغة، ناجحينَ بتفوّقٍ في دوراتِ الغباءِ والتّعمية، كفرةٍ ملحدين، ويظنون – غباءً– أنّهم مسلمون، وأنّهم إلى الجنّة وحور العين ذاهبون..
أَلْبسَ الإرهاب في سوريّةَ، أعمالَهُ لبوسَ الدّين، رياءً ونفاقاً، لتشويه الدّين بعلمٍ وتخطيطٍ وذكاء ٍ ودرايَة..لويتْ أعناقُ الآيات، وفُسِّرت كما يريدون، في خدمة إرهابهم، فَقَتلوا واغتصبوا وظلموا وسرقوا واستغلّوا واضطهدوا وأشاعوا الفوضى والرعب والخوف..
وكان الإسلامُ المتضرّرَ الأكبر مما فعلوه، وبذلك تحوّلتْ هذه الأمّة إلى مخلوقاتٍ لا تَعقْل، ليستْ في عالَم الأموات فَتُريح، ولَيست في عالم الأحياء فتستريح، وأصيبت بالنُّعاس، والضعف والغياب والانحلال والوهن والتّيه... تَحوّلتْ إلى قطيعٍ من المجانين، فاقديْ الذّاكرة..
سيطر الإرهابُ على ما سيطر، فحَرق كلّ شيء، وأعاد حَرْقَ ما حُرِق... !! فانعَدَمَ الماءُ، وسُرِق الضياءُ، اختفتِ الأشجار، وقُتلت الأزهار، ضاع الدّين، وخُطِف الإسلام، وتلاشتِ المُثُلُ، والأخلاقُ والتسامحُ والرحمةُ والإنسانيةُ...وداعش تخطب خُطباً دينيّة مُزيّفة، مُبشِّرةً – كذباً وادعاءً – بإسلامٍ رحيم ٍ قادم، يُعيدُ للإسلام خلافتَه وألقه ومَجدَه، ويَكتب له جَهَلتُها تَاريخه بلغة ووقائعَ لم يَسمعْ بها إسلامٌ أو نبيٌّ ولاعاقل في الدُّنيا..
مافعلته داعشُ شيء خطير، لا يُمكن السكوتْ عليه، هو نظريّةٌ إسرائيليّة ورِدّة إسلاميّةٌ، مُموّلَةٌ، مسيّسةٌ، هادفةٌ، ناجحةٌ..لضرب هذه الأمّة الخانعةِ، التائهة، الضّالّة، النائمة في ليل أهل الكهف.
فُقهاء الدّين، مُختَلفون، صامتون، لا يعرفون ما فعلته داعشُ وأخواتها دماراً أم حياةً، حلالاً أم حراماً، كفراً أم إيماناً..؟!
كان على علماء الدّين، أن يُعبّروا سريعاً، بأسلوبٍ يناسبُ المأساةَ الفاجعة...
فعندما يُضربُ الإسلامُ كُلّه، شكلاً ومضموناً، قولاً وعملاً، وجهاً وجسداً، ثقافةً وسُمْعَةً، فماذا بقي منه...؟
وما مبرّر بقاءِ علماء الإسلام، بعد أن قُتِلَ الإسلام ذبحاً بالسكاكين، أمام أعينهم، ولم يُشِرْ أحدٌ منهم – لما حصل – بإصبعه !!
لاذوا – بإرادتهم –بالنّوم، هرباً وجبناً نومة أهل الكهف! ونأمل من الله أن يوقظهم على حين غِرّة، على يدِ " ملائكةٍ غلاظ شداد، لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون " تأخذُ بنواصيهم وتُلقي بهم في الدّرك الأسفل من النّار، جزاءً وفاقاً...

كنّا نعوّل عليهم ونأمل منهم أن يُحرق واحدٌ مِنهم نَفسه عمداً، قناعةَ، احتجاجاً واستنكاراَ، جهاداً وموتاً في سبيل الله، وبين يديه، بدءاً من لحيته، وينظر إلى نفسه فخوراً بهذا الاحتراق الإيمان!
لو فعلها...لفعلناها، حبّاً وإعجاباً، واحتراماً واقتداءً، وسيراً على هَديه، وسبقناه – قبل انتهاء احتراقه – طالبين له من الله الجنّة، وأن يجعل نَارهُ برداً وسلاماً كنار إبراهيم..
لو فعلها.. وفعلناها, لوجدنا باب الجنّة مفتوحاً.. والله بالانتظار – تصديقاً لحديثٍ قدسيّ – فالبطولات في سبيل الوطن عبادة، والموت شهادة.
ولكنه لم يفعلْها..ولم نفعلها.. وفعلها الجيش العربي السّوري الأبيّ البطل، فداءً وبطولةً، جهاداً ودفاعاً، وقتالاً قتالَ أسودٍ على باب العرين..والنصر آتٍ.