المغامرة الشجاعة.. بقلم: د. اسكندر لوقـا

المغامرة الشجاعة.. بقلم: د. اسكندر لوقـا

تحليل وآراء

الأحد، ٦ ديسمبر ٢٠١٥

في الحياة عموماً، مساحات شاسعة لا تخضع لمعادلة القياس بكل ما تشتمل عليه عبارة القياس من المعاني. فحين يشاهد أحدنا، على سبيل المثال، محاولات البعض من الهواة، وتحديداً هواة المغامرات الصعبة، تتملكه الدهشة، وهو يقرأ على وجوههم ملامح الهدوء والثقة بالنفس، حتى في اللحظات الحرجة التي تهدد أو يمكن أن تهدد حياتهم بمصير مجهول أو غير مرتقب. وفي معظم الحالات، لا نستطيع معرفة السر الكامن فيهم.
بيد أن ثمة مغامرات من نوع آخر، هي في اعتقاد البعض من متتبعي ودارسي تبعات المغامرات تتطلب أنواعاً أخرى من الاستعدادات تفوق تلك التي تتطلبها مغامرة ما من نوع تسلق قمم الجبال الشاهقة أو الغوص إلى أعماق البحار.
هؤلاء تراهم تنطبق عليهم ما أشرنا إليه؟ إن محاولة اكتشاف ما في داخلهم قبل اكتشاف ما هو خارجها، هي المحاولة التي تستحق الاهتمام الأكبر من سواها. إن ما في داخل الإنسان هو أصل المغامرات التي قد تؤدي إلى هلاك أصحابها أو تجعله أنموذجاً يحتذى به.
إن قدرة أحدنا على اكتشاف السر في سعي الإنسان لخوض المغامرة مع ذاته لا مع سواه، هو السعي النافع، لأن في ذلك بادرة تقويم السلوك الجمعي كما سلوك المرء تجاه نفسه لا تجاه الآخر. المغامرة الحقيقية تكمن في هذا السياق أعني مغامرة ماذا عن الذات من قبل صاحبها لا من قبل سواه، لأنه الأقرب إليها من سواه. مثل هذه المغامرة تذكرنا أحيانا بأقوال كبار الفلاسفة والمفكرين بين الحين والآخر، ومن ذلك، على سبيل المثال لا الحصر، ما قرأته يوماً عن أشجع المغامرات، أنها تلك التي يقوم بها الإنسان داخل ذاته وهي، عملياً، الأشد خطورة من المغامرات المألوفة في الحياة على غرار ما ذكرت صعود جبل شاهق أو الغوص في أعماق المحيطات وسوى ذلك من أنواع المغامرات التي قد نشاهدها ونشاهد تداعياتها فيما بعد إلى أين وصلت وكيف انتهت. لهذا الاعتبار فإن المغامرة الأكثر تعلقاً بحقيقتها تلك التي تخاض ضد الذات.لا يفوتنا هنا أن نشير إلى أن مغامرة كهذه تحتاج إلى قناعة كما إلى جرأة وثقة بالنفس، لأن الوقوف أمام الذات ليس سهلا عندما يكون المرء بعيداً عن القيم التي ينبغي أن يتمسك بها لتكون دربه إلى إنسانيته في داخله.
iskandarlouka@yahoo.com