دولار الكرامة.. بقلم: د. عبد الرزاق المؤنس

دولار الكرامة.. بقلم: د. عبد الرزاق المؤنس

تحليل وآراء

الأربعاء، ٢ ديسمبر ٢٠١٥

لكي لا نشتري حريتنا ومشاريعنا الإصلاحية من السوق السوداء يجدر بنا إنصاف مقوماتنا الذاتية ضمن برنامج شامل لأوليات نهوضنا المرتجى على عين الله ورضاه في زمن هذا الاحتلال الذي يرى في الفتنة تربة خصبة لإطالة مدة وجوده في الحاضر والمستقبل..؛ وعندما نضع الإيديولوجيا في مرآة الدين لنبحث عن صورة الآخر في ذاتنا وعن صورة ذاتنا في الآخر فإن الطرف الأقوى في مجال التقابل والمعاينة هو الذي سيضبط إيقاع التفوق في امتحانات أيديولوجيات الحداثة وأيديولوجيات الدين!؛ ثم لنتأمل في مسرح امتحانات العلاقات النزاعية المتوترة بين قوالب الدين الجاهزة وقوالب النص في الثقافة الدينية الجاهزة كيف يصبح الفصل بين الإلهي والبشري هو الشرط الموضوعي لنقاش معنى المقدس والمدنس من المفاهيم والأفكار.. أما الإيديولوجيا السلوكية وأخلاقياتها الصادقة فإنها وبمراوغات النفوس ستميل بوهم الحقيقة إلى الاحتجاب عن ميثاق الحقيقة، ثم سينزع التدين الأناني نحو نسف الجذر الإنساني للدين، ومن هذه الحظائر التي أصبحت اليوم تحتضن معظم العقل العربي شهدنا أخطر مواجهة لاستلاب مستقبل هذا العقل بحراب العولمة العسكرية التي تصطاد العالم بشباك الأيديولوجيا اللامرئية مستترة وراء أيديولوجيا التفوق العلمي وما يرتبط به من تقنيات وسياسات لتظهر الأمم الشاردة عنها وكأنها العدو المعادي ليس لتقدم العلم وتقنياته فحسب بل لحقوق الإنسان نفسه في الديمقراطية والإصلاح.. صحيح أن الدين من خلال تمركزه في منطقة القلب والروح يبدو أشمل وأوسع من الإيديولوجيا المنغلقة على زاوية حادة أو جانب أحادي إلا أن الدين بما هو من ربانية رحمانية على مساحة كونية يجب أن يعلمنا بأن وجوده إنما يتغذى ويتعدد بتعدد منابعه وإضاءاته فيما يظهر من صريح القرآن الكريم: (لكل جعلنا منكم شِرعة ومنهاجاً، ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة) المائدة 48؛ كذلك يناقش القرآن أيديولوجيات التفكير والتخوين، وأيديولوجيات الضغائن والكراهية رافضاً افتراضات الأحكام المسبقة ومحاكم تفتيش العقول والقلوب لينزع عن فضاءات المعرفة بالله وبالإنسان لُوثة التنازع في المجهول على المجهول، ولُوثة الاحتكام إلى الغموض والإبهام لأن من أعظم شواهد اغتيال العقل أن يصير الالتباس المعرفي هو نفسه المرجعية العليا لواقع ملتبس، وأياً كانت درجة التشابه بين مشكلاتنا ومشكلات السلف الصالح فإن المنهج الصحيح في حلها هو أن نضيء فهمنا نحن للنص الأول – وفق شروط الفهم- حتى ولو كان متعارضاً أو متناقضاً مع أفهام من سبقنا من الفقهاء رضوان الله عليهم أجمعين، فإن الأيديولوجيا الإسلامية الإصلاحية بجناحيها السلفي والتجديدي لم تقبض بعد على الحلقة المفقودة من مفتاح النهضة العربية المرتجاة عملياً لا قولياً، لأنها لم تنعتق بعد من نزعة القراءات الميكروسكوبية للنصوص الأولى، ولم تلتفت إلى فظاعة الوقوع في شرك المطلقات، وهي تناطح الآراء ومطارحات الفكر فإنها لم تتحرر بعد من ولَع الالتصاق بأحرف النص لتنعم بملامسة روحه ولاسيما في موضوع تحديد الصلة بين الفكر والواقع مع الفقه اللغوي والعبقرية البلاغية في منهجياتها عدا المأثورات الأدبية شعراً ونثراً وأمثالاً في أدبنا العربي قبل الإسلام وبعده؛ فقد كان كل ذلك زاخراً بمفاتيح المرامي والدلالات التي وصلت حتى في القرآن الكريم إلى أن نقرأ كلمة أو آية منه يختلف كل مدلولها عن ظاهر الدلالة من مثل: (كل شيء هالك إلا وجهه) ومثل (الله نور السموات والأرض)...، وعليه فكيف يفسر إسقاط الغيب والتاريخ على الواقع متذرعين بنصوص الأمن والإيمان والسلام لنقلبها فيُسفك دم الوحدة الوطنية باسم المسيحية أو باسم الإسلام أو باسم التقدمية والمرجعية؟!