الأزمة السورية.. سياسة أم سياسيون.. بقلم: مازن بلال

الأزمة السورية.. سياسة أم سياسيون.. بقلم: مازن بلال

تحليل وآراء

الثلاثاء، ١ ديسمبر ٢٠١٥

صورة المعارضة المتنقلة في عواصم العالم تشرح إلى حد كبير نوعية الأزمة السورية، ففي الخارج حيث يصبح التحرك مساحة لعلاقات عامة، أو مجالاً لتعامل علوم الإدارة مع الظرف السياسي نستطيع مشاهدة "مجالس" و"أحزاب"، وذلك بغض النظر عن الوظائف أو المصالح التي يمكن أن تحملها تلك التشكيلات، وعلى امتداد أربع سنوات أعطت التجربة تصوراً لظهور "أجهزة سياسية"، بينما لم تساعد التكتلات ولا المؤتمرات على التأثير في المعادلة الداخلية، وتحولت إلى ورقة ضغط تستخدمها الأطراف الإقليمية والدولية.
 أما داخل سورية فالمسألة مختلفة، حيث فرضت المواجهة داخلياً وخارجياً حراكاً من نوع مختلف، وإذا كان بعض النشطاء سارعوا لتشكيل تيارات ولو على صفحات الإنترنت، فإن السياسة لم تجد منفذاً اجتماعياً على الأقل كي تظهر على ساحة الحدث السوري، فمنذ بداية الأزمة وحتى اليوم هناك الكثير من النشاط والقليل من السياسة، وباستثناء اجتماعات للحوار واحد منهم رسمي بقي التحرك يعبر عن "شخصيات" وطموح لاحتلال مواقع داخل الساحة الاجتماعية، فيما يبدو أن "الحراك العام" وعلى الأخص في مناطق التوتر لا يرتبط بأي من النشاطات سواء كانت داخل أو خارج سورية، وهو ما يفتح الباب واسعاً نحو تعميق الأزمة باتجاهات جديدة، هذا عدا كونها محاولات "ديمقراطية" حسب تعبير البعض.
 أحد جوانب هذه الأزمة هو مسألة "التمثيل السياسي"، فمادام البعض يعتقد أنه قادر على تمثيل حلول الأزمة فنحن ما نزال في بدايات البحث عن بنية سياسية، لأن الانتقال إلى فهم الشعب كمستويات في التمثيل وليس كلاماً يمكن لصوت واحد أن يعبر عنه سيشكل نقطة البداية نحو تشكيل الحياة السياسية، ومن الممكن هنا استعراض وجهات نظر مختلفة في التكوين الحالي:
-    المعارضة تعتبر أن ما يجري طبيعياً نتيجة قلة الخبرة وغياب الحياة السياسية لفترة طويلة، وبالتأكيد فإن صوابية هذه الفكرة تعتمد على الشارع وليس على السياسيين، فمعظم من يتصدرون اليوم حلبة السياسة هم جيل مخضرم إما مارس العمل السياسي سابقاً أو دخل ميدان العمل العام عبر الجمعيات والمنتديات أو حتى المؤتمرات، وبالتالي فإنه من المفترض أن تظهر بوادر توافق أولي في رسم التحرك أو في مخاطبة الشارع، والأهم في رسم العلاقة بين حركة الناس ومن يتصدرون العمل السياسي، وهو أمر لم يحدث حتى اللحظة، بل ربما على العكس هناك أزمة جديدة تبدو في مسألة "رؤية السياسيين" للمجتمع وقدرتهم على تكوين كوادر قادرة على التعامل معه.
-    المعارضة أيضاً تتهم السلطة في مسألة عدم الإتاحة الكاملة لظهور علاقة بين "السياسيين الجدد" أو حتى القدامى والمجتمع سواء من خلال القمع أو محاصرة "التحرك السياسي، ومن دون أدنى شك فإن الظرف الحالي يبدو ضاغطاً باتجاه أي بيئة سياسية، وفي المقابل فإن السياسيين مازالوا عند نفس نقاط الاحتجاج الأولى، فهم أولاً يرفضون السلطة جملة وتفصيلاً، وبالتالي فهم يريدون تأسيس نقطة بداية مختلفة عن أي رأي أو توجه خارج إطار المعارضة، مع العلم أن تسميتهم "معارضة" تعني وجود آخر كمنافس سياسي.
 المعارضة في الخارج تقوم بدور مختلف، فهي وفق تحركها تقدم مؤشرات على أنها "مؤمنة بالهيكل" وليس بقابلية الناس لتقبلها، فهي تتحرك من دون مشاورات واضحة مع معارضة الداخل على الأقل وتتحدث باسم الشعب كله، وليست مستعدة أيضاً للتشاور من أجل بناء حراك مختلف عن مسألة التصعيد ضد النظام.
هذا الصراع الذي يظهر اليوم وكأنه محاولات رسم بدائل من السياسيين، وليس البحث عن سياسة هو الذي يجعل الأزمة السورية تتعمق، وهو أيضاً ليس بعيداً عن المؤسسة السياسية الرسمية أو أحزاب الجبهة التي لم تعقد حتى اليوم أي مؤتمر لتحليل أدائها على الأقل خلال مراحل الحدث السوري، بينما يتم التركيز على تحليل العوامل السياسية الوافدة إلى سورية فقط، فمع عدم إنكار هذه العوامل لكن السياسة لأي من الأحزاب الموجودة بشكل شرعي لم تتعامل مع ما جرى طوال السنوات الماضية بشكل يوحي ولو بمحاولة لمواجهة ما يحدث وبناء علاقة جديدة بين المجتمع وبُناه السياسية.