كثُر التحليل.. وغاب المحللون!!.. بقلم: د. بسام الخالد

كثُر التحليل.. وغاب المحللون!!.. بقلم: د. بسام الخالد

تحليل وآراء

الثلاثاء، ١ ديسمبر ٢٠١٥

Bassamk3@gmail.com
عندما تنشب الحروب وتتفاقم الأزمات ينشط الإعلام بوسائله المختلفة ليغطي أخبار هذه الحروب وتطورات هذه الأزمات، ومع كل حدث تستعين القنوات الفضائية بمحللين سياسيين وعسكريين واستراتيجيين ونفسيين ودعائيين واقتصاديين، وينشط هؤلاء ليدلي كل منهم بدلوه، فيما يعرف أو لا يعرف، في اختصاصه أو في غيره، والمهم أن تملأ المحطات ساعات بثها، ويسجل المحللون على الشاشات أكبر نسبة ظهور بغض النظر عن المحتوى الذي يقدمونه للمتلقي، والأنكى من ذلك أن معظمهم يتم التعريف به على أنه متخصص بالشؤون السياسية والعسكرية والاستراتيجية، وربما الجيوبوليتيكية!
وقبل الإسهاب في ماهية التحليل بأنواعه، دعونا نقدم تعريفاً موجزاً لكل نوع من أنواع التحليل علّنا نلامس بعض الحقيقة فيما نقرأ ونسمع ونشاهد.
فالتحليل السياسي هو تخصص دقيق لأنه يتناول قضايا وإشكالات تعد أكثر تعقيداً, نظراً لتعدد العوامل المؤثرة والأطراف المساهمة فيه، وهذا النوع من التحليل يمارسه مختصون في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، وتعتبر مهارات التحليل السياسي فناً مقترناً بالعلم، فهو علم لأنه يستخدم المفردات والطرائق المنهجية العلمية في مقدماته للوصول إلى نتائج مقنعة، وهو فن لأنه يعتمد على قابلية التصور وتطويع الخبرات المتراكمة للمحلل، وهو مهارة أيضاً لأنه يبرمج الجهد الذهني في عمليات التحليل وسبر منظومة المعلومات وتصنيفها وتطويعها بغية الوصول إلى الاستنتاجات والاحتمالات الواقعية لمسار الأحداث.
أما التحليل العسكري فيختص بتحليل الشؤون العسكرية، ويتمحور حول مجريات العمليات الميدانية، ويستقي معلوماته من إدارات العمليات والأمن العسكري, ويقوم بمهمة التحليل فيه ضباط متمرسون، عملوا في الخطط والعمليات والاستخبارات واكتسبوا مهارات تراكمية، من القائمين على رأس عملهم أو من القادة المتقاعدين الذين خاضوا الحروب، ويضم هذا التحليل الشقين، العسكري والميداني.
 والتحليل الاستراتيجي يختص في فن قيادة وإدارة الجيوش، وقد ارتبط تاريخياً بفن الحرب، واستراتيجيتها التي تصب في منظور العمليات العسكرية والبحث في الأسلوب الأمثل لتحقيق الأهداف الاستراتيجية الوطنية للدولة، والتي تمثل القوة العسكرية إحدى أدوات القوة فيها، كما يبحث التحليل الاستراتيجي في خطط العمليات العسكرية قبل نشوب الحروب، ويتدخل في فن إدارة تلك العمليات بعد نشوبها، ويتصدى لهذا الجانب محللون لهم باع طويل في فن الحرب من الذين شغلوا مناصب عليا في قيادة الجيوش وخاضوا الحروب وخططوا لها.
وبالطبع لدينا أنواع أخرى من التحليل، كالإعلامي والاقتصادي والنفسي والدعائي، والتي تستخدم بوتيرة أقل من سابقاتها في وسائل الإعلام.
إن عملية التحليل، سواء كان سياسياٌ أو عسكرياٌ أو استراتيجياً، عملية صعبة ومعقدة تحتاج إلى مهارات ومعلومات وإمكانات كبيرة جداً لا يمتلكها أغلب من يسمي نفسه اليوم المحلل، فهي ليست وسيلة لكسب المال والتشويش على الرأي العام وتأجيج الأوضاع السياسية والعسكرية والأمنية المعقدة والمضطربة أصلاً، ومن المفروض أن تكون لدى وسائل الإعلام رقابة ومتابعة لعمليات التحليل، خصوصاً العسكرية منها، لأنها تنطوي على مخاطر ومحاذير كبيرة، وفي خضم الأحداث الجارية على الساحة العربية والإقليمية والدولية، ظهر علينا (محللون شاملون) أدخلونا في فوضى تحليلية متناقضة، في عصر لم يعد فيه المتلقي غبياً بل صار يفهم في التحليل والتركيب والبعد الفلسفي الرابط بينهما، أكثر بكثير مما يفهمه محللو هذه الأيام!!