قضايا ليست من اختصاص الحكومة..بقلم: إيفلين المصطفى

قضايا ليست من اختصاص الحكومة..بقلم: إيفلين المصطفى

تحليل وآراء

الأحد، ٢٩ نوفمبر ٢٠١٥

Evlism86@gmail.com
يدرك الجميع ممن عاصروا أو قرؤوا عن الحروب السابقة، أن الحروب السياسية والنزاعات العسكرية تفرز الكثير من الأزمات التي تنعكس على حياة الشعوب، وتكاد لا تستثني أي مجال فيها بدءاً من الأمور المتعلقة بالجانب الإنساني وليس انتهاء بالجانب الاقتصادي والمعيشي والأخلاقي.
هذه المفرزات بقدر قساوتها والخسائر التي تحدثها، دائماً ما تكون بحاجة إلى أنظمة إدارية عالية المستوى تخطيطياً وتنظيمياً قادرة على التعامل معها وامتصاصها عبر آليات وقرارات صارمة لا تقبل المزاودة أو التأجيل، بحكم أن أي مماطلة فيها تساهم في تعميق الفجوة بين احتياجات الناس وبين قدرة الأنظمة على تأمين تلك الاحتياجات والمتطلبات.
ولأن الصراع الدائر في سورية تسبب في إحداث شرخ كبير في المجتمع السوري، نجد أن المعاناة المعيشية اليومية التي كانت موجودة قبيل الحرب الحالية تزداد يوماً إثر يوم ما يؤدي إلى توسيع هذا الشرخ، والذي ساهم في خلق حالة من الصراع النفسي للمواطن السوري وأصبح يخوض حربه الذاتية مع الحياة بهدف الاستمرار فيها، ولا نبالغ إن قلنا إن البعض اعتاد الخسارة والهزيمة نتيجة فقدانه للأمل بقدرة الفريق الحكومي على منحه جزءاً من احتياجاته التي تخوله للصمود في وجه هذه الحرب الوحشية.
تفاجئنا الحكومة عبر فريقها الوزاري بتصريحات انتهجت فيها لغة الشعارات البراقة وبأن الهدف هو تعزيز صمود الشعب السوري، إلا أن صوت الواقع أعلى بكثير من تلك التصريحات التي يعتبرها البعض مجرد مسكن للآلام عديم الجدوى والمنفعة.
حدثني أحد الأشخاص أنه لم يعد يفكر بالحياة، بعد أن ساهمت الحرب في تشريد عائلته وخسرته أفراداً من عائلته موضحاً بأن التفكير في تأمين متطلبات الحياة اليومية من غذاء ومياه وكهرباء أصبح كمن يفكر في الحصول على معجزة بعيدة المنال، وأصبح همه أن يفكر في الموت لأنه أقرب والحصول عليه أسهل بكثير من الحصول على جرعة دواء غير قادر على دفع ثمنها.
قضايا عديدة باتت تحاصر الهم اليومي للمواطن، هذه القضايا التي لو جئنا على سردها لوجدنا أن الأسعار في ارتفاع مستمر من دون وجود أي آلية لكبحها وضبطها، حتى لو تم تغيير القائمين عليها، فالحرب لا ترحم أحداً وتجارها لا يعرفون للخسارة مكاناً فيها، فنجد مثلاً أن تأمين المحروقات لموسم الشتاء لم يعد أمراً ممكناً بعد أن تمكن تجار الحروب من احتكار المادة والمتاجرة بها على أعين الأجهزة الرقابية، يضاف إليها قضايا الفساد التي نخرت هيكل المؤسسات والقطاعات العاملة في القطاعين الخاص والعام، ولا تنتهي الحكاية هنا إنما تأخذنا الحرب للتمعن في شكاوى الناس حول انعدام القضاء والعدل وانعدام الإصلاحات في تحسين البنية التحتية في عدد من القرى والمحافظات التي سئم قاطنوها الحديث عن مشاكلهم ومعاناتهم في تزوديهم بالمياه أو الكهرباء، عدا مطالب خريجي الجامعات بتأمين فرص عمل حقيقية لهم قادرة على منحهم حافزاً للابتعاد عن التفكير في طرق أبواب السفارات في الخارج أو البحث عن طرق غير شرعية للخروج إلى الحياة حتى لو كان الثمن هو الموت، فأغلبية الشباب يجدون أن مشروع السفر هو مغامرة بين الحياة والموت، ولأن الموت واحد فهذه وسيلة تمنحهم حقهم في اختيار طريقة موتهم.
من هنا نجد أن الحرب استنزفت كل شيء بالنسبة للمواطن السوري، وأصبحت احتياجاته ومتطلباته غير قابلة للتحقيق ضمن الخطط والمقترحات التي يطلقها الفريق الحكومي حتى إن البعض يستدرك طلبه بالقول إن القضايا المتعلقة بالهم اليومي للمواطن ليست من اختصاص الحكومة، فهذه القضايا ليست من الأولويات فهناك الأهم على سبيل المثال تسوية أوضاع كبار رجال الأعمال الذين خرجوا بالمليارات وتسعى الحكومة لمنحهم فرصة لتسوية أوضاعهم والسماح لهم بالعودة، بعد أن ساهموا باستنزاف مقدرات الاقتصاد السوري من القطع الأجنبي بعلم الجهات المسؤولة، واليوم يدفع المواطن السوري فاتورة هذا الاستنزاف من خلال ارتفاع سعر صرف الدولار الذي وصل إلى ما يعادل 400 ليرة سورية الأمر الذي ساهم في انخفاض القدرة الشرائية لليرة السورية.
ورغم كل ما ذكرناه سابقاَ نجد أن بعض المسؤولين مازالوا يعيشون خارج كوكب الأرض غير مدركين للواقع المعيشي البائس الذي يعيشه المواطن لنجد مستشار وزير الاقتصاد غسان العيد يمنح الفريق الحكومي صك براءة من التهم المتعلقة فيه بإفقار المواطن حيث صرح لإحدى وسائل الإعلام أن المؤسسات الحكومية وبشكل خاص البنك المركزي والحكومة الحالية غير مسؤولين عما وصل إليه المواطن من فقر، من دون أن يشير إلى ضعف الرقابة الحكومية التي يعتبرها المواطن السبب في ارتفاع الأسعار معلقاً مشكلات رفع الأسعار على شماعة الأزمة والحصار الاقتصادي.
من هنا نؤكد على عنوان مقالتنا بأن قضايا الفقر والفساد والبطالة وارتفاع الأسعار وانخفاض الأجور وهجرة الشباب وسوء الخدمات ليست من اختصاص الفريق الحكومي!!!!!!!!!!!!!