التوسل بأنبياء الله وأوليائه وأحبائه.. بقلم: فادي برهان

التوسل بأنبياء الله وأوليائه وأحبائه.. بقلم: فادي برهان

تحليل وآراء

الأربعاء، ١١ نوفمبر ٢٠١٥

يُعتبر التوسل بأنبياء الله وأوليائه وأحبائه من المسائل المعروفة والمشهورة بين المسلمين في كافة أصقاع الأرض، حيث وردت أحاديث كثيرة ومتواترة تؤكد استحبابه والعمل به منذ بزوغ فجر الدعوة الإسلامية وحتى يومنا هذا، ولم ينكره المسلمون _ على تنوع مذاهبهم ومشاربهم الفقهية _ طوال أربعة عشر قرناً سوى ما أحدثه الوهابيون في عصرنا الحاضر من إنكار وتحريم، ورمي من يؤمن ويعمل به بالشرك والكفر، ومن الأحاديث الدالة على جواز التوسل بل استحبابه ما رواه جمع من المحدثين: " أن أعرابياً دخل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال: (لقد أتيناك وما لنا بعير يئطّ ولا صبي يغطّ) ثم أنشأ يقول:
أتينـاكَ والعذراءُ تـُدمى لِبــَــانُها...
  وقد شُغلتْ أم الصبيّ عن الطفلِ
 ولا شيءَ مما يأكل النـاسُ عندنا...
  سوى الحنظل العامي والعِلهز الفَسْلِ ولـيــسَ لـنـا إلا إلــيــكَ فــرارنـا
 وأيــنَ فـــرارُ الــنــاسِ إلا إلى الــرســلِ
فقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يجرُّ رداءه حتى صعد المنبر فرفع يديه وقال: اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً... فما رد النبي يديه حتى ألقت السماء... ثم قال (ص): لله در أبي طالب لو كان حياً لقرت عينه. من ينشدنا قوله؟ فقام علي بن أبي طالب عليه السلام وقال: كأنك تريد قوله:
وأبيض يُستسقى الغمامُ بوجههِ   ثِمالُ اليتامى عصمةٌ للأراملِ
يطوفُ به الهُّلاكُ من آلِ هاشمٍ   فهمْ عندهُ في نعمةٍ وفواضلِ
فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أجل. فأنشد علي عليه السلام أبياتاً من القصيدة والرسول يستغفر لأبي طالب على المنبر ثم قام رجل من كنانة وأنشد يقول:
لكَ الحمدُ والحمدُ ممن شكرْ سُقينا بوجهِ النبيّ المطرْ "1

والوقوف عند هذه الحادثة التاريخية لا يعني أنها يتيمة أو نادرة بل التوسل عند المسلمين كان وما زال سُّنة متبعة وأمراً متداولاً بخلاف ما تدعي الوهابية وقد سطر كبار العلماء والفقهاء والمثقفين كتباً في ذلك منها:
1- مصباح الظلام في المستغيثين بخير الأنام: تأليف محمد بن نعمان المالكي (المتوفى 673هـ )
2- الوفا بأحوال المصطفى: لابن الجوزي (المتوفى 597 هـ )
3- وفاء الوفا لأخبار دار المصطفى: للسيد نور الدين السمهودي (المتوفى 911 هـ)
4- شفاء السقام لتقي الدين السبكي (المتوفى 756 هـ)
5- كنز المطالب: للعدوي الحمزاوي (المتوفى 1303 هـ)
6- البيان والاختصار: لابن داود المالكي الشاذلي، وقد ذكر فيه توسل العلماء والصلحاء بالرسول الأكرم في المحن والأزمات والمصاعب.
وقد استعرض كل منهم الأدلة والبراهين من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة والروايات من طرق الصحابة (رض) وأهل البيت (ع) على حد سواء وأكدوا جواز التوسل واستحبابه بلا فرق بين أن يكون المتوسَل به حياً أو ميتاً وخصوصاً رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي يعتقد المسلمون بأجمعهم بأنه حي في قبره يسمع ويرى ويرد السلام على زائريه.
 فمن أين أتى الوهابيون بهذه البدعة التي حرّموا فيها ما أحلَّ الله؟ وهل يعتقد هؤلاء أن المتوسِل بالرسول (ص) عابدٌ له من دون الله؟ أم إنه يتخذ من الرسول وسيلة إلى الله؟ فإن قالوا: لا حاجة للوسيلة لقوله تعالى: " وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعِ إذا دعانِ.. " 2 قلنا: "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة... " 3 و" أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيّهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه أن عذاب ربك كان محذوراً" 4.
.......
1 عمدة القاري في شرح صحيح البخاري المجلد7 ص 31
2 سورة البقرة الآية 186
3 سورة المائدة الآية 35
4 سورة الإسراء الآية 57