الشيخ أحمد والأب رفائيل!!.. بقلم: د. إسماعيل مروة

الشيخ أحمد والأب رفائيل!!.. بقلم: د. إسماعيل مروة

تحليل وآراء

الاثنين، ٩ نوفمبر ٢٠١٥

وما نزال نجلس أمام المتحدث ليحدثنا عن كيفية الدخول إلى بيت الخلاء، بالقدم اليمنى أو القدم اليسرى، وسواء فعلنا بهذه أو بهذه تدخل شظية طائشة لتنهي حياة هذا الشخص أو ذاك غير مكترثة بالتزام الشخص بتوجيهات المتحدث.
وبالأمس جلست أتابع الأب رفائيل في قناة دينية يتحدث عن الإيمان، وعن ضرورة الإيمان من أجل الآخرة، وطريف هذا الحديث الذي يشبه حديث خطبة الجمعة في اليوم نفسه، ولكن بلهجة مصرية محكية، فإن كان الإنسان يحب الطعام والشراب والنساء حسب رأي الأب رفائيل، فإن الرب وعده بها في الآخرة، ولو قال له هناك حياة بلا نساء ولا طعام ولا شراب فسيقول له (مش عاوز)!!
وكلمة الله والإيمان تكتمل بالماء كما يرى الأب رفائيل، ومن دون الماء لا تكتمل وتبقى كلمة الإيمان ناقصة، وبرأيه أن كل الآيات لم تذكر الماء، لأن الكلمات كلها تريد الوصول إلى الماء والمعمودية!!
بين هذا وذاك ضاعت المعالم، فقد تعودت أن أقلّب القنوات، وأن أتابع ما لا يتابعه الجالسون، وهذا اليوم وقفت مشدوهاً من الطرفين، هرجت مندهشاً بآليات هذا الفكر الذي يفسر علاقة الإنسان بالرب كما يشاء هو لا كما أرادها الرب! فهل يعقل أن يكون الدخول بقدم يمنى أو يسرى إلى بيت الخلاء أهم من فكرة النظافة والتطهر ذاتها التي كان من أجلها الدخول إلى هذا المكان؟!
وهل يعقل أن يكون المرء أعمق أثراً ووجوداً من كلمة الإيمان بذاتها؟!
الطريف أن الحديثين كليهما لم يتطرقا إلا إلى هذه النقاط، وكأن الإيمان هكذا! وكما رأيت أن أحاديث خطباء المساجد والمناسبات تركز على أن الآخرة مسرح للطعام والشراب غير المسكر والحوريات، ما استدعى استغراب الآخر، كذلك كان حديث الأب، الذي أضاف أن الإنسان قد لا يقبل ويقول (مش عاوز) لذلك وعده الرب بما يحب! وكأن في الأمر إغراء ومراوغة بين العبد والرب!؟
أقول هذا لأن كثيرين وأنا منهم يأخذون على التفسير الديني الإسلامي مثل هذه الإغراءات التي وضعها الله جائزة للمؤمن، ما استدعى التطرف، ولكن حديث الأب رفائيل أظهر لي هذا التطابق في القراءة والتفسير بين رجال الدين والعلماء على اختلاف الانتماء الديني، فالنتيجة واحدة، والجائزة واحدة، وهي من جنس ما يعرفه الإنسان في الحياة من طعام وشراب ونساء!!
لم أجد حديثاً عن الإنسان وإيمانه!
لم أجد حديثاً عن العقل والتدبر!
لم أجد حديثاً عن الآخر ودوره!
في مرة أخرى سأقلب القنوات أكثر، وسآخذ من قنوات أخرى، لأنني بقيت مسمراً أمام الأب رفائيل كما بقيت مسمراً أمام خطيب الجمعة، ولم أحب أن أجتزئ، ربما في هذا التقليب أعثر على منابر أخرى وما أكثرها، تعرض آراء المذاهب والطوائف على اختلاف الشرائع، لنطالع مكافآت الرب وجوائزه، وهي كثيرة، أقصد القنوات.
والإعلام الخطر، بما في ذلك الإعلام الرسمي العربي، يعرض الخطبة مباشرة، ويجود عليك بخطب أخرى تم تسجيلها، مع وجود برامج أخرى لا تتوقف عن الوعظ والإرشاد والتخويف وزرع الفكر الأحادي الذي لا يرى الآخر، ولا يعتني به وبوجوده وضرورة التعامل معه! وهذا أمر طبيعي، فإذا كان الرب فردياً بنظرهم، يتابعك في دخول بيت الخلاء، وفي الأكل باليمين أو باليسار، أو باللغو، ويتابعك في كلمة الإيمان التي لا تكتمل إلا بالماء! إذا كان الرب الجليل يتابع هذه الفردية ليكافئك أو ليعاقب، وليقدم لك ما تشتهي نفسك فما بالك بالعلاقات المتبادلة بينك وبين الآخر؟!
بعد آلاف السنين قنواتنا العربية إسلامية ومسيحية تخاطبنا بهذه الطريقة التي لا تحترم عقلاً ولا روحاً، ولا تناجي إلا الشهوة، فماذا سيخرج منا؟ أي صنف من الناس سنجد؟
العالم كله مشغول في فيينا!
العالم كله حضر ليتحدث عن سورية إلا سورية!
العالم كله من كبار وصغار مشغول بما يجري في سورية!
وقناة سورية تعرض مسلسلاً ضاحكاً نجد اسمه (الخربة) وقناة أخرى تعرض أغنية لها ويقول (أنا بغار من أختك وخيك وأمك وبيّك، من الفراش واللحاف وسنانك، لك أنا بغار) العالم وصل إلى القمر وتوابعه، ونحن نبحث في بيت الخلاء والماء..!
العالم يتقاسم قرصنا الغني، ونحن نغني للغيرة، ونضحك ضحكاً مكرراً، وفي أحسن الأحوال نجلس لنستمع لتحليل سياسي فيه كل شيء إلا السياسة والفكر!