التبادل الثقافي والحوار الحضاري!.. بقلم: ميساء نعامة

التبادل الثقافي والحوار الحضاري!.. بقلم: ميساء نعامة

تحليل وآراء

السبت، ١٠ أكتوبر ٢٠١٥


قد يتبادر إلى ذهن القارئ الكريم أنه الوقت غير المناسب لطرح هذه الأفكار ومناقشة هذه العناوين، والعالم يعيش أبشع مراحل الصدام الحضاري والانحطاط الفكري والثقافي.
لكننا اليوم أحوج ما نكون للتفكير بحماية وتوثيق هويتنا الحضارية والثقافية والفكرية، في ظل ما نشهده من اجتياح مقصود ومحدد لتشويه تاريخنا وأوابدنا الحضارية، وتحويل الدين الإسلامي من دين علم وانفتاح على الحضارات إلى دين قائم على الذبح والتعتيم الفكري ونبش القبور وغيرها من الممارسات الهمجية والوحشية التي تلصق زوراً وبهتاناً بالدين الإسلامي.
 عندما قمت بزيارة الجمهورية الإسلامية الإيرانية للمرة الأولى شعرت بالانبهار لحضارة أمة لها جذور وعندها حاضر ومستقبلها بيد مبدعيها.
وأكثر ما يلفت الزائر إلى إيران هو التمسك بالإسلام من بوابة العلم والإنجازات المعرفية.
ونحن في الجمهورية العربية السورية لدينا ماض عريق يمتد في جذوره إلى تاريخ طويل من الحضارات الإنسانية التي بقيت آثارها تدل على وجودها.
كما لدينا حاضر أسس لنهضة عملاقة جعلت سورية البلد الصغير جغرافيا يقف في وجه أعتى الدول الاستعمارية الجديدة، ولعل أكثر ما جعل سورية تصمد في وجه حرب شرسة يشارك فيها العالم من أجل إلغاء الوجود العربي الحضاري والثقافي والتاريخي، هو تنوع البيئة الاجتماعية للإنسان السوري المتعشقة بفسسيفساء نادر الوجود.
هذا الفسيفساء الجميل المتنوع بتعدديته الفكرية والدينية حاول البعض المتربص بسورية أن يجعل منه نقطة ضعف يخترق من خلالها المجتمع السوري، لكنه تفاجأ بأن نقطة الضعف التي تخيلها هي النقطة الأقوى التي أوصدت الأبواب بوجه دول الاستعمار الجديد التي حاولت وما زالت تصور الحرب العدوانية على سورية على أنها حرب أهلية.
نعود إلى التبادل الثقافي والحضاري وفق المثالين اللذين ذكرتهما "سورية وإيران" والجميل في المثالين أن البلدين يتحدران من جذور تاريخية حضارية عريقة.
وفق الروايات والحكم الشعبية وتجارب الشعوب أن للحرب فوائد رغم حجم الدمار الذي تحدثه، وقد يكون اكتشاف الصديق من العدو من أهم تلك الفوائد التي تعد بمثابة الغربال الحقيقي الذي يكشف معادن الدول والشعوب والأمم.
الجمهورية الإسلامية الإيرانية وقفت من اللحظة الأولى مع الدولة السورية، ليس من باب رد الجميل لمناصرة الدولة السورية للثورة الإسلامية الإيرانية وحسب، بل لأن أمة بحجم إيران أدركت بوعي قائدها أن حجم المخطط الإرهابي الصهيوني الذي تتعرض له سورية قد يمتد خطره إلى جميع الدول ذات الحضارة، وأن العنوان العريض للحرب اليوم هو إلغاء الوجود الحضاري والتاريخي للأمم.
نحن اليوم أمام فرصة ذهبية لتبادل الثقافات بين الشعبين والدولتين السورية والإيرانية ونقول تبادلاً وليس تماهياً، لأن في التبادل الفكري والعلمي والمعرفي وحتى المعيشي هو أرقى أنواع الفائدة المشتركة.
سورية تعيش مرحلة الانتصار على جرثومة الإرهاب ويتم استئصال هذا المرض الخطير من الجسم السوري بالتعاون مع الأصدقاء الروس والإيرانيين والمقاومة اللبنانية الشقيقية والعراق الشقيق وجميع الشرفاء في هذا العالم.
لكن مرحلة ما بعد الانتصار تستدعي استنفار جميع الطاقات لبناء جسور تواصل شعبي بين الدول التي ساندت سورية في محنتها على أساس الاحترام المتبادل لخصوصية كل بلد، وتفعيل الاتفاقيات التي تحصل بين الدول لفتح آفاق الاستفادة الصحيحة والبناءة من التبادل الثقافي والحضاري بما ينعكس على نهضة الشعوب وتطور وعيها الفكري، لا أن تقتصر تلك الاتفاقيات على بروتوكلات ورقية.
الفرصة متاحة بقوة أمام دول محور التحالف المقاوم لكي تكمّل بعضها بعضاً وتساهم بشكل جدي وفعلي في وضع بنود النظام العالمي الجديد وفق المنهجية القائمة على الحوار الحضاري والفكري والعالمي الراقي الذي يساهم في نهضة الشعوب وبقاء الأمم.