محافظو إيران ومواجهة المشروع الأميركي.. بقلم: وصفي الأمين

محافظو إيران ومواجهة المشروع الأميركي.. بقلم: وصفي الأمين

تحليل وآراء

الاثنين، ٥ أكتوبر ٢٠١٥

أصبح تقدم المشروع الأميركي في المنطقة، أو انكفاؤه، مرتبطاً بقوة بطبيعة الخطوة التالية لتيار المحافظين الإيرانيين. فهم وحلفاؤهم يقفون اليوم وحدهم في مواجهته ويحملون أعباء ردعه. وهم القوة المؤهلة لحمل مشروع التغيير، ولإصلاح الخلل الذي أحدثته السياسة الأميركية في موازين القوى في المنطقة، وأدى إلى انكشاف مجتمعاتها وانزلاقها في هاوية الفوضى الشاملة.
محافظو إيران وحلفاؤهم يتصادمون مع واشنطن على كل مستوى، ويشكلون نقيضها الحضاري، مسلحين برصيد مادي ومعنوي وايديولوجي يمكنهم من ملء الفراغ الاستراتيجي، وبقدرة هائلة على التعبئة تمكنهم من إعاقة تقدمها. وهم، بحكم خبرتهم الطويلة نتيجة صراعهم مع الحلف الأميركي، يعرفون نقاط ضعفه وكيفية النفاذ منها، واستغلال حال انعدام الوزن والضعف والتردد التي تعتريه.
ليس أمام محافظي إيران سوى العودة إلى المشروع المضاد، والنموذج النقيض لمشاريع التفكيك والتقسيم الأميركية. المشروع الذي يعيد تشكيل المنطقة لمصلحة نظام إقليمي تكتلي، يحفظ لكل دولة خصوصيتها، ويوجهها بعيداً عن التنافس على كسب رضا الأميركي والتسابق للتحالف معه. مشروع يقوم على العودة إلى الجماهير ودعمها وقيادتها، وعلى استقطاب نخب عربية مقاومة، بالتوازي مع التخلي عن بعض التحالفات والرهانات الخاسرة.
ما يجري اليوم بين إيران والغرب، هو تسويات هشة غير قابلة للحياة، يصر «إصلاحيو» إيران، ومعهم أغلبية قوى اليسار والقوميين وجُل الحركات الإسلامية في المنطقة على اعتبارها إنجازات. هي تسويات عاجزة عن تحقيق تغيير جذري أو حالة نهضوية، وتؤدي فقط إلى تهدئة تمهد لحروب جديدة وانهيارات أوسع، تمكن الأميركي من تعزيز سيطرته. «إصلاحيو» إيران يريدون مصالحة مع المعسكر الغربي، تبقيهم في السلطة وتضمن مصالحهم، في مقابل الالتزام بأطر اللعبة التي حددها الأميركي. فالثورة والتغيير الجذري لمصلحة شعوب المنطقة، لم يعودا هاجسهم أو هدفهم.
الطبقات والنخب الحاكمة في الدول العربية تنهار، ولا يساعدها على البقاء سوى تردد المحافظين في تقديم مشروع بديل، ودعم جدي وحيوي للجماهير الثائرة المعترضة، التي تفتقر إلى القيادة والأفق والعمق الاستراتيجي. وحين يترك معسكر المقاومة هذه الجماهير ذرات تائهة، يخرج حراكها عن السيطرة، ويدخل في فوضى يستفيد منها الأميركي والتكفيريون. والأميركي هو الأقدر على توظيف الاحتجاجات اليتيمة لتعويم قيمه و «النخب» المتحالفة معه، فضلاً عن قدرته على التنصل من المسؤولية عن الخراب.
ما يحصل اليوم في لبنان والعراق ودول المنطقة، يشبه كثيراً بدايات «الربيع العربي». الجماهير تتحرك ضد الفساد والقمع، مطالبةً بحق العيش بأمان وحرية. والخطر، اليوم ايضاً، هو في قدرة الأميركي على حرف التحرك واستخدامه لمصلحته، وتوظيفه ضد الحكومات والأنظمة، وضد محور المقاومة، ثم تحميل هذا الأخير مسؤولية الفوضى، وفي الوقت نفسه تبرئة الحلف الأميركي وأدواته.
المراجعة التي يجريها تيار المحافظين اليوم ضرورية، فمحاولات الغرب التسلل إلى إيران، وفرض تحولات فيها لمصلحته تزيد الأعباء على كاهلهم، والفوضى والانهيارات في المنطقة تضاعفها. كما أن الاتفاق النووي وضع أرضية جديدة للتنافس وقواعد جديدة للصراع يبحث المحافظون عن وسائل لتغييرها، فهم يرفضون الاستسلام لها والتحرك على أساسها، ومخرجهم الوحيد، مشروع يعزز قدرتهم على المواجهة، وكسر تلك القواعد والأطر التي يفرضها الأميركي أو يضع شروطها.
يراهن الإيرانيون، على تسوية مع السعودية تعيد الهدوء والاستقرار. ولكن، فيما تقوم الأخيرة بتدمير اليمن، تتهم إيران بالتدخل في شؤونه. تجتاح البحرين بقواتها، وتتهم إيران بالتحريض على آل خليفة. وهكذا في لبنان وسوريا وغيرهما. والمفارقة أن السعودية عاجزة عن إنجاز أي تسوية جدية مع إيران، خشية انقلاب التكفيريين عليها، وهم المنافس الأقوى لآل سعود، والخطر الأكبر على نظامهم. فالتسوية بالنسبة لهؤلاء، اتفاق ضد السنة وخيانة لهم. إن سبب بقاء النظام والدولة في السعودية بمنأى عن الاضطراب والفوضى حتى الآن، هو افتعال المواجهة مع إيران والتصعيد ضدها، والتحريض المذهبي عليها. النظام السعودي يكتسب «شرعيته» اليوم، من عدائه لإيران، ومحاولة محاصرة دورها، ومن تحالفه مع أخصامها وأعدائها. «استراتيجية» السعودية في هذه المرحلة، تقوم على انتظار تحول دراماتيكي لمصلحتها في الولايات المتحدة بعد انتهاء مرحلة أوباما.
ما سبق ينطبق، إلى حد بعيد، على تركيا أردوغان وعلى «الإخوان المسلمين». فالخلفية والأهداف متشابهة، وإن على أرضية أخرى وبوسائل مختلفة. وهو ما يستدعي من محافظي إيران فك التحالف مع «الإخوان»، والتعاطي معهم بحذر، والكف عن الرهان عليهم. هذه الجماعة لم تقدم تجربة يعول عليها منذ تأسيسها، ولم تفجر ثورة او تحرض على واحدة، لم تسهم في أي حراك جماهيري تغييري في تاريخها. والتجربتان، المصرية والتونسية، تؤكدان انها جماعة طفيلية، لا تحمل مشروعاً حضارياً. هم تحالفوا مع إيران والمقاومة عندما كانوا خارج السلطة، وما إن سيطروا عليها، صوبوا عليهما. والسؤال الآن: أين هم «الإخوان» اليوم؟
وفيما يتزايد الرهان الأميركي التركي السعودي على التكفيريين، يخوض محور المقاومة المعركة الجدية الوحيدة، والأكثر فعالية ضد هذه الجماعات، ويمنع تمددها، ويحد من قدرة الحلف الأميركي على استخدامها للتخريب، او تغيير المعادلات في المنطقة. ولكي ينجح هذا المحور في قطع أذرع التكفيريين، ينبغي احتواء حواضنهم وإرباك داعميهم.
لا بد من وقف مسلسل التردد والتسويات العقيمة، كما حصل بعد انتصار تموز 2006 وبعد السابع من أيار 2008. وكما حصل مع «أنصار الله» في اليمن، حين ترددوا في تشكيل مجلس رئاسي وحكومة ثورية تكمل المسيرة، ولجأوا الى البحث عن تسويات وفق والقواعد والشروط الأميركية.
المشروع الأصلي للمحافظين، هو تثوير الجماهير وتحريكها والتفاعل مع طموحاتها وهمومها، وتحقيق الانتصار بها. لا مصلحة للمحافظين في خوض معركة في العراق دفاعاً عن الطبقة الحاكمة، فمعركتهم هي معركة الجماهير المعترضة وفصائل المقاومة و «الحشد الشعبي». لا مفر من العودة إلى أصول الثورة مع المستضعفين ضد المستكبرين، وكسب الشرعية الشعبية، ومنع الجماهير من استهلاك قوتها في مواجهة الحكومات المنهارة وتهديم مراكز القوة في المجتمع، بل ينبغي توجيهها ضد المشروع الأصلي والأخطر، أي المشروع الأميركي. والمنطلق هو التخلص من عقدة الفتنة السنية ـ الشيعية، فآخر ما يعبر عنه الصراع القائم فتنة مذهبية أو صراع طائفي.
الفرصة متاحة، لبلورة مشروع تغيير جذري. الولايات المتحدة مترددة، أوروبا ضعيفة واتحادها يتفكك، عرب أميركا لا يملكون رؤية لمواجهة إيران، وهم أكثر هشاشة وقابلية للسقوط.