الروائي والباحث وعالم الاجتماع حليم بركات (1 من2).. بقلم:عبد الرحمن الحلبي

الروائي والباحث وعالم الاجتماع حليم بركات (1 من2).. بقلم:عبد الرحمن الحلبي

تحليل وآراء

الجمعة، ٢٥ سبتمبر ٢٠١٥

 أحد شخوص روايته يستمع في واشنطن إلى موسيقا عود منير بشير.. وفي أمريكا لا ينفصل حليم بركات عن الوطن العربي، عن سورية بل عن الكفرون التي شهدت ميلاده منذ عقود نيّفت على الثمانين.
أصدر أديبنا د.حليم بركات عدداً من الروايات منها: عودة الطائر إلى البحر، الرحيل بين السهم والوتر، إنانا والنهر، طائر الحوم، هذا بالإضافة إلى عدد من البحوث والدراسات المنطلقة أصلاً من علم الاجتماع مثلما أن رواياته كانت قد صدرت عن معطيات هذا العلم وكأنه خاص بالمجتمع العربي من دون غيره.
من هذه الدراسات يمكن أن نذكر –على سبيل المثال- دراسته التي بعنوان "نهر بلا جسور" لنجد أنها ستتقاطع مع رواية عودة الطائر إلى البحر من حيث أنها توصف وتدرس حالة المخيمات الفلسطينية وأناسها، وسنجد أن أسماء شخوص الرواية تكاد تكون الأسماء الواقعية التي تعيش في المخيم دونما أي إجراءات تزيينية لها لهذا لن يكون الناقد مطمئناً إلى إعطاء حكم أو رأي مختصر في هذا المسار الطويل الذي للدكتور حليم بركات من دون أن يحس أنه قد قصر في هذا الجانب أو في ذاك من هذا المسار. لا سيما أن بركات روائي وعالم اجتماع في آن معاً، رغم أنه بدأ في الرواية قبل البدء في دراسة علم الاجتماع وأن الرواية هي التي أملت عليه التخصص في هذا العلم.
   فلا غرو، إذاً، أن يظل أديبنا هذا على صلة قريبة من شخوصه فهو حتى اللحظة لم يشأ في مضماره الروائي أن يسفح الشخصية على الورق ويمضي شأن أكثر كتابنا بل إنه ليظل يحاورها وكأنها فرد في أسرته.
   إذا ما تأملنا مقولة واحدة من مقولاته الروائية ولتكن مقولة "الحب" مثلاً فإننا سنجد "الحب" لدى شخوصه متفاوتاً في الماهية وفي الجوهر فهو عند (أميرة) إحدى شخصيات رواية "الرحيل بين السهم والوتر" عبارة عن: "عبودية للإنسان من نوع آخر" بينما هو عند "سلام" في هذه الرواية أيضاً: "متعة هائلة تستحق أي ثمن" وهو عند (نائل البدري) في الرواية ذاتها: "يجدد حياتنا دائما فنصبح معا وجهاً واحداً لحقيقة واحدة".
   ثم إن الذي يجد نفسه في "حالة حب" في روايتنا هذه غير الذي "يبحث عن الحب" وسيكون الحب في مكان آخر من الرواية "عذب من نوع خاص تختلط حدوده بحدود السعادة " وهو "ليس عملية حسابية " بل سيكون له منطقة الحسابي الخاص الذي يقول: واحد+ واحد= مئة وربما أكثر.
   هذه المعطيات وأمثالها تحتاج إلى باحث لا إلى روائي، بيد أنها تصدر واقعياً عن باحث وعن روائي في آن واحد، هو حليم بركات المحاضر في جامعة جورج تاون في الولايات المتحدة. وهذا الروائي والباحث سيظل جسداً حيث هو من المكان الذي هو فيه من هذه الأمريكا إلا أنه سيطير بجانحي طائر إلى الوطن الأم، وسيحوم طويلاً فوق قرية الكفرون يستعيد إليه منها تلك الطفولة التي أبقاها هنا منذ عقود فلا يقوى على تحقيق هذه الاستعادة إلا إذا حط فوق غصن أو قرب ساقية، وإلا إذا جمعته أماسي هذه الضيعة بأناسها الذين يعرف والذين لا يعرف، ذلك أن أحداً في هذه الضيعة لا يعرف حليم بركات وأن هذا الطائر المحوم الذي يخشى أن يصطاده بعض الأغراب يعرف حتى الذين ولدوا في الكفرون قبل ثلاث سنوات ذلك أنه عربي وأنه لما يزل يهتدي إلى أسرة أي صبي من "اللاحة".
   هذا المهاجر الذي أبدع رواية "طائر الحوم" يطرح مقولة كبرى اسمها "الاغتراب" ويعالجها بإبداع الفنان وعقلية العالم، وسنتوقف عندها في عدد لاحق.