الرئيس الأسد يصادق على معادلة رابح ـ رابح ... زمن التحول بدأ

الرئيس الأسد يصادق على معادلة رابح ـ رابح ... زمن التحول بدأ

تحليل وآراء

الخميس، ٣ سبتمبر ٢٠١٥

بقلم: الدكتور محمد بكر*
ما يحدث من حراك سياسي وتطورات ومشاهد وجزئيات تختلف كلياً عن سابقاتها شكلاً وتؤسس في المضمون لصيغة سياسية موحدة، لا يحتاج للكثير من التحليل النوعي والدراسة المعمقة، لإدراك التحولات السياسية والانعطافات الملحوظة التي بدأت تتبدى في سلوك الأطراف والجهات التي كانت تنتهج السياسة التصعيدية وتغذية العسكرة وتأجيج النيران في الحرب السورية،  لتحقيق أهداف بعينها , والانتقال من مرحلة إلى مرحلة ومن سيناريو إلى آخر في محاولة حثيثة لشطب الدولة السورية من الخارطة لجهة تغييب دورها المهم في المنطقة وتحويلها إلى ليبيا ثانية، عند هذا الهدف تحديداً فشلت كل تلك المراحل والسيناريوهات المعدة لسورية، أبدى الجيش السوري ومناصروه وحلفاؤه على الأرض ثباتاً فريداً , وعند عقيدته وإيمانه ويقينه كمؤسسة لها جذورها الراسخة في التراب الوطني , سقطت رهانات المراهنين على تجزئته وتفككه وانحلاله , وكل ما يصدراليوم من تصريحات نارية تصعيدية أمريكية حول الرئيس الأسد ودوره ومستقبله في المرحلة المقبلة من جهة، وحول دور " خطير " لروسيا في لعبة الأمم من جهة أخرى، ماهي إلا محاولات " للتعكير المعنوي" على الصفو التوافقي , فما أسسه الاتفاق النووي بين إيران والسداسية الدولية لجهة انقشاع ظلال الحرب المشؤومة بحسب تعبير الرئيس روحاني , يؤكد بشكل قطعي أن المحاولات الأمريكية للتشويش على معادلة رابح – رابح هي محاولات نظرية فقط , لا يمكن أن يقدم فيها الأمريكي أو أي من حلفائه لتخريب السيناريو المتوازن , و" طبخة " التوافقات التي سينال من حصصها الجميع , إذ يدرك الأمريكي أن إفشال ما توصل إليه من اتفاق مع إيران , وتفجير الحالة المستعرة بنيران الإرهاب والذهاب بها بعيداً إلى مطارح أكثر كباشاً إنما سيجلب المآلات المقيتة للجميع , تتنامى فيها حدود الفوضى إلا مالا نهاية , ومن دون أي استثناء لجغرافية بعينها . ما تفجر من صمود وبقاء وحضور ملموس لهيكلية وكيان الدولة السورية على الأرض , لازالت تقاتل فيه في السنة الخامسة من عمر الحرب , واستطاعت التكيف والتعامل مع أصعب الظروف وأعقدها وأكثرها حساسية , وأطاحت بجملة من السيناريوهات التي كانت معدة , أمام ذلك كان لزاماً أن تكون سورية آخر المصادقين , ومولداً لمعادلة رابح – رابح التي يقودها الروسي وبترحيب أمريكي وفق ما أكدته مصادر دبلوماسية أمريكية أن الولايات المتحدة ترحب بالحراك الروسي لإيجاد حل سياسي للأزمة السورية , هذه المصادقة التي جاءت كختام الكلام الممهور سورياً رحب من خلاله الأسد في مقابلته الأخيرة بالتعامل مع أي جهد يسعى جدياً لمواجهة الإرهاب حتى وإن كان مصدر هذا الجهد ممن كان في مرحلة معينة داعماً وصانعاً للإرهاب , إذا كان ذلك على قاعدة " مراجعة المواقف وتقييم السلوك ومحاولة تصحيح الانحراف " , إضافة لما عده الأسد أولوية على المواجهة مع الكيان الصهيوني, وهو مواجهة أدواته في الداخل السوري التي تشكل خطراً أكبر من إسرائيل بحسب تعبيره , وهي ذات الرؤية التي تتقاطع مع حليفه حزب الله الذي عد في وقت سابق المواجهة مع المشروع التكفيري مواجهة وجود وعندها تؤجل المعارك الأخرى وهما ما تتقاطعان بدورهما مع الإعلان الإيراني عن انقشاع ظلال الحرب المشؤومة التي لا تحتاج للكثير من التقصي لإدراك أن إسرائيل طرف أساسي ورئيسي فيها , وفي السياق ذاته يمكن قراءة وفهم ما يجري فلسطينياً من صياغة هدنة طويلة الأمد مع الكيان الصهيوني , وافقت عليها أشد حركة كانت من المتوقع أن تفشلها , وهي حركة الجهاد الإسلامي على لسان أمينها العام الذي عدها هدنة مؤقتة لرفع المعاناة والحصار عن الشعب الفلسطيني, وفي اعتقادنا عند هذه النقطة , وعند هذا التفصيل التوافقي بينن أطراف محور المقاومة ,الذي عنوانه " نسيان أي مواجهة مع الإسرائيلي وحذفها حالياً من كل القواميس " تم التوافق على معادلة رابح – رابح بما ينهي فصولاً أكثر دموية , وسيناريوهات أكثر سوءاً للمنطقة برمتها ستطاول حممها ونيرانها الجميع , لذا كان التحول " وليس الربع ساعة الأخيرة " تماماً كما أعلن الأسد , السبيل الأقل كلفة على قاعدة " مجبرٌ أخوك لا بطل " لجهة مواجهة جملة من الوقائع والمشاهد التي ألزمت الولايات المتحدة وحلفائها على التحول السياسي الحاصل هذه المشاهد التي يمكن إيجازها في الآتي: - فشل السياسة الأمريكية وكذلك سياسة حلفائها , في تقويض وضبط إيقاعات ما تم تصنيعه على أعينهم من إرهاب بات يضرب في الجغرافيا غير الموضوعة على الخارطة الغربية . - فشل المحاولات الأمريكية التي استمرت على مدى سنوات في خلخلة الساحة الإيرانية وتفجيرها من الداخل , كذلك لم تؤدي العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران أي دور استراتيجي في لجم السياسة الإيرانية , بل على العكس استطاعت الجمهورية الإسلامية تطوير قدراتها الدفاعية , ومضت قدماً في تعزيز نشاطاتها النووية وإثبات تفوقها وقدرتها وإبداعها في هذا المجال وتالياً لم يجد الأمريكي بداً إلا التعامل والاتفاق معها , إضافة لدورها الفاعل في إجهاض الكثير من المشروعات وقتل جملة من الأحلام الأمريكية في سورية والعراق. - تكرار الفشل في غير موضع على مدى سنوات الحرب السورية , تصدرت فيها قوى وجهات إقليمية في تحقيق إنجازات نوعية على الأرض السورية وتحديداً في جبهتي الجنوب والشمال, وما كانت قد تعهدت به تلك الجهات من تحقيق تحولات استراتيجية وبجدول زمني , لم يتحقق أي منها , ربطا ً مع ذات الفشل الذي يحصده اليوم التحالف السعودي في عدوانه على اليمن ظناً منه أنه من الاستسهال بمكان صياغة ورقة من ذلك العدوان يغير موازين اللعبة الدولية , ويفرض مقاسات وحلول بعينها , وهذا ما لم يحصل ولاسيما مع تحول مشهد المعركة في هذا البلد بات فيه الجيش اليمني وحلفائه يرسلون جملة من الرسائل التي تشي عن القدرات والإمكانات النوعية التي يحسب لها ألف حساب وتنتفي معها أي نهاية قريبة أو سعيدة للمعتدين. - ما تنامى من إرهاب أصبح جامعاً مشتركاً بين كل الأطراف المشتبكة في المنطقة , وتالياً ترحيل أي صراع أو مواجهة عربية – إسرائيلية مع الكيان الصهيوني في حضرة اشتداد وامتداد وسطوة اليد التكفيرية التي لا جغرافية محرمة عندها , ولعل العدوان الصهيوني الأخير الذي دك أربع عشر موقعاً للجيش السوري سرحت ومرحت خلالها إسرائيل من دون طلقة واحدة تعترضها قد شكلت جساً إسرائيلياً إيجابياً لنبض مفاعيل الاتفاق النووي على الجبهة السورية . نعم , الشروع الدولي في بناء صرح التحول والتوافق قد بدأ , وتوحد الإرادات الدولية في مواجهة الإرهاب كعنوان وحيد للمرحلة القادمة قد أصبح نافذاً , لكن يبقى الاختلافات في حجز " الطوابق والغرف " في ذلك الصرح هي مشاهد أقل من طبيعية لن تلغي ولن تنال من الصيغة الدولية التوافقية " رابح – رابح " .
* كاتب سياسي فلسطيني مقيم في سورية