الحضاريون والتدميريون (1).. بقلم: عبد الرحمن الحلبي

الحضاريون والتدميريون (1).. بقلم: عبد الرحمن الحلبي

تحليل وآراء

الاثنين، ٣١ أغسطس ٢٠١٥

 أمر الله الناس أن يسيروا في الأرض لينظروا كيف بدأ الخلق، ورد في هذا الأمر في الآية (20) من السورة (29) من القرآن الكريم في هذا النص: " قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلقَ ثم الله يُنشئ النشأة الآخرة والله على كلّ شيء قدير". والسير لغة نقيض القعود فهو حركة والقعود سكون، ثم إن السير في الأرض كشف واستكشاف واكتشاف وهذه الصفة يعطيها النص أعلاه للسير. وليس من عجب أن يلتزم اللا قرآنيون هذا، ونقعد نحن القرآنيين عنه. عجز السادة المسلمون عن السير في أرضهم الممتدة من المحيط إلى الخليج لإيثارهم القعود قُيض لهم من يسير فيها، وليسوا منها ويبحثون ويكتشفون، وقد كان من اكتشافاتهم في النصف الثاني من القرن العشرين (إيبلا – عبلاء) في تل مرديخ من محافظة إدلب، وما ندري كم ستظل (إيبلا) في منأى عن الأيدي التي تعبث بالقنابل والصواريخ والمتفجرات التدميرية كما يلهو الأطفال بلعبهم المائية والهوائية.
 يصف أصحاب الاختصاص إيبلا بأنها من أعظم الاكتشافات وأن مكتشفاتها لا تقتصر على الرُّقم.. على الكتابات.. على النصوص التي غدت بين أيدينا فحسب.. بل على المخلفات التراثية الأخرى كالفوائد المعمارية والمنحوتات وغيرها، لأننا لا نستطيع قراءة هذه المكتشفات أيضاً، بمعنى أننا نستطيع التعرف على مخططات المعبد والقصر ونقارنها مع مخططات قصور ومعابد أخرى في بلاد الشام، فنستنتج منها كثيراً من الأمور التي تخصّ العلاقات وتطور الحضارة.
 ففي مجال المنحوتات الكثيرة التي اكتشفت في مدينة (إيبلا) وتُمثل على الغالب ملوك وأمراء هي مادة مهمة في كتابة تاريخ فن النحت في بلاد الشام، وهي تدلنا أيضاً على العلاقات بين مدن بلاد الشام مثل ماري وإيبلا، ثم إيبلا وألالخ.
 لا شك بأن اكتشاف الرقم الطينية، اكتشاف دار المحفوظات الإيبلوية هو مهم أيضاً، وتعود أهميته إلى نواح كثيرة، منها أن هذا الأرشيف هو الأول من نوعه في بلاد الشام، حيث يعود إلى منتصف الألف الثالثة ق.م. أيضاً الرقم الكثيرة، وقد تجدون في المصادر أرقاماً مختلفة لعدد هذه الرقم. منهم من يكتب (17) ألف رقيم أو (19) ألفاً أو عشرين ألفاً أو خمسة عشر ألفاً. وفي الواقع إن الرقم تقريبي في جميع الأحوال وهو لا يتجاوز تسعة آلاف رقيم كاملة وبعض كسر من الرقم.
 هذا العدد الهائل من الرقم كتب بخط مسماري. واستُعملت فيه كلمات أو مفردات وصيغ اسمية أو فعلية أو ظرفية أو غيرها، كنا نجهل الكثير منها. وفي مجال المقارنة بين اللغتين السومرية والأكادية تفيدنا هذه الرقم في هذا المجال. فهنالك مفردات إيبلوية تقابلها مفردات سومرية، أو العكس المفردات السومرية تقابلها المفردات الإيبلوية. أما على صعيد القيمة التاريخية فكبيرة جداً، ولنبدأ بالأحوال السياسية في منطقة بلاد الشام والنحويين، فقد كنا نعلم من كتابات الملوك الأكاديين الذين حكموا بعيد منتصف الألف الثالث قبل الميلاد، أنه كانت هناك مدينة مهمة اسمها إيبلا وكان أيضاً مملكة قوية في بلاد الشام اسمها إيبلا، ولكن لم نكن نعرف المدى الجغرافي لهذه المملكة، ولا نعرف شيئاً عن علاقاتها الدولية، ولا عن دورها السياسي أو الحضاري في بلاد الشام.
    (يتبع..)