شام وسكّير ورحيل.. بقلم: د. إسماعيل مروة

شام وسكّير ورحيل.. بقلم: د. إسماعيل مروة

تحليل وآراء

الاثنين، ٣١ أغسطس ٢٠١٥

صبّ لها كأسها الأولى، الثانية، الثالثة، كأس الصوفية والمولوية يسكر من دون شراب، وشام تأخذها، تدلقها في جوفها من يد اقتربت إليها، كذلك هي صوفية شام، تدرك قيمة شراب الوله، تدرك قيمة أن تأخذ الشراب من يد تقترب إليها، فهي محمية بصوفيتها التي بلغت مرحلة الهيام الأبدي، لا تكترث شام لليد الممدودة، قد تكون يد عابد كأسه من سلاف العشق والوله، قد تكون يد تاجر يستجلب شراباً مضروباً، يمتزج فيه القتل بالحقد بالدمار بالدم، تأخذ الكأس، وتشربها دفعة واحدة، كلها عشق لكأس العابد، ورجاء أن يعتبر التاجر فيعود عن تجارته، تأمل شام من اليد الممدودة أن تتطهر..! السكير بعد الكأس الثانية المضروبة يلفّ رأسه، ينام على طاولته، على رصيف من قهر وعهر، تدوسه الأقدام العابرة، يشتمه المارون، فهو سكير لم يعرف ما يجري معه، والجميع يرقبون شاماً، ينتظرون أن تميد الأرض تحتها، أن تستلقي أمام شذاذ الآفاق، يرقبون ويترقبون، يرجون أن يحدث، لكنها شام العظمة، حين تحين التفاتة تخرج ما في جوفها دفعة واحدة، يخرج المضروب، بينما نبيذ العشق الصوفي يمتزج بدمها ويغلف أزقتها وحاراتها وحجارة أرصفتها للزمن القادم، شراب الدم والدمار لا يتغلغل في مسامات شام، تدلق كل شيء، وتحتفظ بالألق والحب..! ترجو منهم أن يروا أن يعتبروا، أن يخرجوا عن عهر الذات إلى طهرها!
لا خوف على شام، لن يفعل شراب الدم والدمار فعله فيها، ها هي تمتص رحيق نبيذ الصوفي القادم من عمق التراب، وكما في كل عشية تخرج شام من جوفها كل ما سكبه العاهرون في جوفها من شراب لا روح فيه ولا صوفية عشق، تخرجها وتبقى طاهرة لا أثر فيها للماء الآدمي، ولا أثر إلا لقصيدة قمة في النشوة والسكر لابن الفارض، وكل ما تحمله مقام محيي الدين بن عربي الذي عشقها وأغدق لها الكأس فشربت وانتشت، وأفسحت له مكاناً بين حجرين في قاسيونها ليرقد أبداً بعد أن ضاقت به الدنيا، ولم يبق له سوى شام العشق وصوفية الاقتراب من الألوهة، والدنو من العرش الساحر أكثر..
يبحث السكير المدمن عن ذاته، يتناول كأسه، يشم شرابه، ويضربه الشراب، يتقيأ ما أخذه، ويبقى مطروحاً على رصيف القهر، وشام تبحث عن عابدها الحق الذي يحمل كأسه من الحلاج إلى ابن عربي والسهروردي، فعلى رصيفها تدور مولوية العشق الأبدي الذي لا شبيه له، وتحت تنورة الصوفي النقية البيضاء يختفي كل الحاقدين، يحرقهم البياض النقي في تنورة المولوي العابد، وحين تنتهي الرقصة، يضم المولوي عباءته على جسده، لا أثر للعابرين الحاقدين وحدها شام تمد يديها تغطي المولوي برحمتها، تغسل له الساحات، تعطيه مساحات للدوران على ذاتها على ذاته..
لا تحملوا هم شام
لا تخافوا على شام
خافوا على ذواتكم أن تحترق تحت تنورة الصوفي الأبيض
شام وصوفية الألوهة الحقة
لا يطولهما الفناء، شام تستفرغ كل ما دخل جوفها من غير الأنقياء
تحاول أن تجعلهم أنقياء، وحين يعجزون عن نقائها يرحلون
وحدها الباقية مع النبيذ المعتق، وكل السقاة راحلون.