حمام الدم الصيني يغرق الأسواق العالمية.. بقلم: إيفلين المصطفى

حمام الدم الصيني يغرق الأسواق العالمية.. بقلم: إيفلين المصطفى

تحليل وآراء

الأحد، ٣٠ أغسطس ٢٠١٥

Evlism86@gmail.com
لم يكن يدرك بعض المستثمرين الجدد بأسواق الأسهم أن الأزمات المالية العالمية التي وقعت خلال الأعوام الماضية من الممكن أن تعاود الظهور، في ظل تطور الأنظمة الاقتصادية العالمية التي تستند في آليات تعاملها إلى العلوم الاقتصادية والحجج العلمية، لكن قلة المعرفة والخبرة في آليات عمل أسواق الأسهم العالمية دفعت بالعديد من علماء الاقتصاد والمحللين الاقتصاديين للتنبؤ بحدوث أزمات مالية جديدة، تكون آثارها أكبر بكثير مما ألحقته الأزمات السابقة، في إشارة منهم إلى دور المضاربين الذين يؤدون أدواراً سلبية في عمليات التداول التجارية تتسبب بحدوث خسائر واستنزاف لأموال المستثمرين.
مؤخراً شهدت الأسواق العالمية اضطرابات عديدة نتيجة الهبوط الحاد لأسواق الأسهم الصينية، وهنا لابد من الإشارة إلى أسباب تأثر الأسواق العالمية الأخرى بما حدث في سوق الأسهم الصينية، وخاصة أن البنك المركزي الصيني قام بتخفيض قيمة عملته منذ بضعة أسابيع وتسبب ذلك القرار بالتأثير أيضاً على أسواق تبادل العملات، ومن المفارقات أنه منذ أن قامت بكين بتخفيض قيمة اليوان بتاريخ 11 آب، تسببت بخسارة في الأسواق العالمية ما يعادل 5 تريليونات دولار من قيمتها السوقية.
حمام الدم الصيني أغرق الأسواق العالمية بخسائر فادحة، ولو أردنا المقارنة بين ما حدث يوم الاثنين الماضي بتاريخ 24/8/2015 حين افتتحت الأسواق العالمية على انخفاضات حادة وبين الأزمات التي حدثت في الأعوام الماضية نجد أن ما تعرضت له الصين شبيه بأزمة انهيار وول ستريت التي حدثت عام 1929 والتي عرفت بأزمة الكساد العظيم والتي بدأت مع انهيار سوق الأسهم الأمريكية في 29 تشرين الأول 1929 والمسمى بالثلاثاء الأسود، وكان تأثير الأزمة مدمراً على كل الدول تقريباً الفقيرة منها والغنية، حيث كان من أكثر المتأثرين بالأزمة المدن التي تعتمد على الصناعات الثقيلة كما توقفت أعمال البناء تقريباً في معظم الدول، كما تأثر المزارعون بهبوط أسعار المحاصيل بحوالي 60% من قيمتها.
يوم الثلاثاء الأميركي الأسود عاد إلى الصين بفارق يوم واحد وجعل من المتابعين للاقتصاد وحركة الأسهم يوصفون يوم الاثنين الماضي بالاثنين الأسود، نتيجة ما خلفه من آثار سلبية على كافة أسواق الأسهم العالمية، وجعلت المستثمرين يعيشون في حالة ذعر وسط المخاوف من استمرار الانخفاض الحاد في مؤشر سوق الأسهم الصيني.
ولو تعمقنا في مسار الخط البياني لسوق الأسهم الصينية نجد أن مؤشر شنغهاي تعرض لخسائر فادحة في الأسبوع الماضي بما يقارب 8.5%، الأمر الذي تم اعتباره من الأخبار السيئة للمسؤولين في الصين، والذين اندفعوا بطريقة خاطئة لدعم أسواق الأسهم حيث تحركت الحكومة الصينية بقوة للسيطرة على الأزمة مانحةً الأموال لشركات السمسرة وذلك للقيام بشراء الأسهم كما أصدرت أوامر لمديري الشركات بعدم بيع أسهمها، إضافةً لقيام البنك المركزي الصيني بخفض معدلات الفائدة إلى مستوى قياسي جميع تلك المحاولات باءت بالفشل ولم تسعف الاقتصاد الصيني وسوق الأسهم على وجه التحديد بإيقاف النزيف الحاصل بل عاود للهبوط بشكل كبير، ومن الجوانب التي يجب معرفتها أن من أحد الأسباب الجذرية لهذه الاضطرابات يعود لاندفاع المستثمرين على الأسهم الصينية خلال السنوات الماضية رغم بطء النمو الاقتصادي.
وبالرغم من أن هدف الحكومة الصينية الحد من الأضرار التي لحقت بالاقتصاد الحقيقي، إلا أن بكين رغم تفاؤل البعض بأنه ما تزال لديها أدوات يمكن استخدامها لدعم النمو حيث يمكن للبنك المركزي أن يعاود خفض أسعار الفائدة كذلك يمكن للصين أن تتبع سياسة زيادة الإنفاق على البنية التحتية وخفض الضرائب، إلا أن محاولة البنك المركزي الأخيرة بخفض أسعار الفائدة باءت بالفشل ولم تتمكن من نشل الأسهم الصينية من مأزقها.
هنا لابد من توضيح أمر مهم حول سبب انهيار الأسواق العالمية الأخرى نتيجة ما يحدث في الصين، فمن خلال الإحصائيات نجد أن الصين تقوم بشراء ثُمن النفط وربع الذهب وثلث القطن ونصف المعادن الأساسية في العالم، هذه القوة الشرائية جعلت من بكين جزءاً أساسياً في تجارة السلع العالمية وتؤثر بكل شيء بدءاً من الأسعار حتى ساعات التداول التجارية.
إن ما يحدث في سوق الأسهم الصينية يؤكد حقيقتين، الأولى بأن اليد المسيطرة على السوق هي للمضاربين وليست للمستثمرين، وإلا فكيف نفسر أن تخسر وول ستريت في الدقائق الأولى للتداول 1200 نقطة دون سبب مقنع ومن ثم تسترجع خسائرها، إن انعدام الرقابة الصارمة على أسواق التداول الالكترونية وجعلها في يد المضاربين سيتسبب بفقدان الثقة مستقبلاً للاستثمار بالأسهم، وخاصة أن جميع المستثمرين في العالم لديهم رد فعل على سرعة التذبذبات بالتداول في أسواق الأسهم، والحقيقة الثانية هي أن صانعي السوق الذين أوكلت إليهم مهمة تأمين سيولة الأسواق باتوا يخرجون من الأسواق حين حدوث مثل هذه الاضطرابات متعمدين الانكفاء عن أداء دورهم بقصد أن تنخفض الأسواق أو ترتفع بشكل حاد ما يجعلهم يحققون أرباحا قياسية وهذا ينذر بكارثة اقتصادية، ويجعل من الصعب الخروج من الأزمة بأقل الخسائر.