سياسة الاستقطاب.. بقلم: فادي برهان

سياسة الاستقطاب.. بقلم: فادي برهان

تحليل وآراء

الأربعاء، ١٩ أغسطس ٢٠١٥


يحتاج السقيم لطبيبٍ يداوي جراحه ويعطف عليه ويبدي له من الاهتمام والرعاية والعناية ما لا يبديه للأصحاء، فالسليم الذي لا يشكو من علة لا يحتاج إلى الدواء وإنما يحتاجه المريض، لكنَّ الإفراط في الاهتمام بصحة المريض وترك السليم المعافى وإهماله وتناسيه وتنحيته جانباً تجعل منه مريضاً، ليس حباً بالمرض ولا نكاية بالصحة بل عسى أن يناله من المجد نصيب أو يلفت نظر الطبيب بلمسة عطف وحنان ومحبة ينتشي بها السليم المتمارض الذي دفعه إهمال الطبيب إلى المرض.
وإذا ذهبنا أبعد من ذلك، ففي حالات الصراع يحاول أحد الأطراف أن يستدرج رجال خصمه ويستقطبهم ليضعفه ويجعل من جيشه جيشاً هشاً هزيلاً لا يملك القدرة على الثبات والصمود، لكنه لا يدرك أن استقطاب رجال الخصم واستمالتهم سيؤدي إلى تملل وضجر رجاله هو نفسه باعتبار أن الاهتمام برجال الخصم سيجعل من رجاله عرضةً للانشقاق والتخلي ليس حباً بالخيانة وإنما جلب للمنفعة والمكاسب والأرباح وخاصة أن هؤلاء الرجال يرون بأم أعينهم الأرزاق والنعم التي تنهال وتهطل على خصومهم نتيجة لسياسة الاستدراج التي يتبعها أحد أطراف المعركة.
فالأب الذي يهتم بجيرانه وأصدقائه وضيوفه على حساب أبنائه يبني لنفسه صيتاً وسمعة خارجية ويشتهر بكرمه وحسن جواره وخدماته للناس لكنه لن ينال ثقة أبنائه وهم الذين يجتهدون في تلبية مطالبه لخدمة الناس، لأن نفع أبيهم يصبُّ في نهاية المطاف على غيرهم وأما هم فلن ينالوا إلا التعب والعناء وبالتالي فانعدام ثقتهم بأبيهم مستمر إلى أن يصلوا إلى مرحلة من اليأس يتمنون معها لو استطاعوا أن يخرجوا من ربقة الارتباط به ليتفرغوا لبناء مستقبلهم بدل أن يكون هو السباق لذلك، لأن الرجاء من خيره مقطوع والأمل من فضله جاف ولا مناص ولا فرصة في الخلاص إلا تركه وشأنه، وبهذا فقد انقلب الأب من قائد لأبنائه إلى حجر عثرة في درب نجاحهم مستغلاً جهدهم وتعبهم في تلبية طموحه غير آبهٍ بهم وبمستقبلهم وبكل عوامل نجاحهم.
 وعليه.. فمن أراد أن ينال ثقة أبنائه فعليه أن يضعهم على رأس سلم الأولويات وأن يهتم بهم قبل أن يصرف وقته لاسترضاء خصومه وأعدائه لأن هذه السياسة ستكلفه فيما بعد جهداً كبيراً لاسترضاء أبنائه الذين سيتخذون موقف الأعداء ليس كرهاً بأبيهم بل لينالوا من المجد نصيباً وهم الذين يرون مكافأة أبيهم لأعدائه إذا عدلوا عن موقفهم العدواني، فيلجأ الأبناء إلى موقف عدواني، ليرغموا أباهم على استرضائهم، ويجبروه على العطف عليهم لأنهم استنفدوا كل الفرص التي كان يمكن أن تصلح سلوك أبيهم لكنهم وجدوا أن الإرغام والإجبار هو خير وسيلة للعدول عن الإهمال واللامبالاة التي اتخذها الأب بحقهم.
بناءً على كل ما تقدم نتساءل:
أما آن الأوان أن نهتم بأبنائنا ونحوطهم بالرعاية والاهتمام؟
ألا تشكل العناية الكافية التي سنمنحها لأبنائنا الحصن المنيع في وجه كل من أراد أن يحرضهم ضدنا؟
قيل في الأثر: "درهم وقاية خير من قنطار علاج".. ونحن نقول: التفاتة بسيطة للأبناء تقي الآباء الكثير من الكوارث والمستنقعات التي هم في غنى عنها.