الفساد الفكري والأخلاقي... أصل الإرهاب.. بقلم: ميساء نعامة

الفساد الفكري والأخلاقي... أصل الإرهاب.. بقلم: ميساء نعامة

تحليل وآراء

السبت، ١٥ أغسطس ٢٠١٥

الإرهاب في جذور تكوينه الوجودي والإيديولوجي والعسكري ينطلق من الفساد الفكري الذي ينخر في العقول كالسوس، والفساد الفكري يحدد بلوغ غاياته القذرة عبر مجموعة أسليب ملتوية يلتف من خلالها على القوانين الدينية والوضعية وحتى الطبيعية.
من هذه الأساليب الملتوية مثلا تبرير القتل والذبح من أجل حفنة دولارات، ومنها أيضاً استغلال الدين وتأويلاته من أجل تحقيق أهداف غير مشروعة، ومنها أيضاً شراء الذمم بالمال من أجل قلب الحقائق وجعل الباطل حقاً والحق باطلاً.
وجود الفساد الفكري يعتبر التربة الخصبة لنمو الإرهاب المسلح وتمدده وانتشاره، ويعمل بشكل دؤوب ومركز على إزاحة الفكر الثقافي المتنور الذي يحمل في طياته نهضة الأمم وتقدمها وفق المعايير الأخلاقية والقيمية الناظمة للقانون الوضعي، ليحل مكانه عتمة شريعة الغاب التي لا تحكمها أي ضوابط.
المتتبع لعملية الانتشار المرعب للإرهاب والتبني الكبير لنظامه الفكري من قبل آلاف المنضمين إليه، أو الساعين للانضمام إليه من كافة أنحاء العالم، لابد أن يعود إلى جذور الإرهاب وانطلاقه من عمليات التجهيل ونشر الفساد الديني والأخلاقي، والعمل على إبطال مفعول الرسائل السماوية وأساسها الأخلاق وتبديلها بعقيدة الفساد و إنكار جميع المفاهيم القيمية والأخلاقية.
سورية أرض الثقافات والحضارات المتعاقبة على مدى آلاف السنين تخوض حربها ضد الإرهاب على مستويين: الأول بالفن والثقافة والمبادرات الشعبية التي تعيد إلى الأذهان التراث العربي الأصيل المفعم بالقيم الأخلاقية السامية، والثاني، بالمواجهة النوعية التي يخوضها الجيش العربي السوري، لبتر الإرهاب المسلح والقضاء عليه أينما وجد.
في زمن الحروب تختلط الأوراق وتنقلب الموازين وتتبدل المعادلات، لكن في زمن الحرب على السورية هناك ثوابت لا يمكن تجاوزها مهما اجتهد الغرب في توصيف ما يجري على الأرض السورية.
الثوابت السورية هي الحقائق التي لا يريد الغرب أن يراها ولا يريد من يعبث في الأرض السورية أن يشاهدها بالعين المجردة، هذه الحقائق لمسناها في الانتخابات الرئاسية التي حصلت في حزيران 2014 والتي كانت بمثابة الحقيقة الفاجعة لأعداء سورية.
 كما أن الانتصارات التي يحققها الجيش العربي السوري على الإرهاب بتكتيك وتنظيم عسكري فريد، أذهل العالم ووجه صفعة مدوية لمصدري الإرهاب إلى سورية.
فيما شكل التلاحم بين السوريين الانتصار الأكبر على الحرب الطائفية التي أشعلها الإعلام الفتنوي وحاول توجيه العصابات الإرهابية لتطبيق الفتن الطائفية على أرض الواقع، لكن وعي الشعب العربي السوري أخمد حرائق الفتن الطائفية واقتلع بذور الحرب الأهلية التي اشتغل على زرعها الغرب المتصهين وأتباعه من العرب المتصهينين.
 والرهان الأكبر الذي حاولت الغرف السوداء الاشتغال عليه هو هدم البنى التحتية وانهيار الدولة السورية ومؤسساتها، لكن بقاء الدولة السورية بكامل قوتها وقدرتها على إعادة تأهيل جميع المرافق الأساسية التي هدمها الإرهاب، أسقط جميع الرهانات على انهيار الدولة السورية.
وما زالت مؤسسات الدولة قائمة وراسخة ورواتب الموظفين لم تنقطع خلال السنوات الأربع الأمر الذي جعل أعداء سورية يعيشون في حالة هستيريا جنونية.
في زمن الحرب تنهار مؤسسات ويتزعزع بنيان الدول وينخر الفساد نفوس البشر، ما يؤدي إلى إضعاف الدولة، إلا أن ما حصل في سورية خالف جميع التوقعات فإن نسب الفساد الأخلاقي والمؤسساتي أقل من النسب التي عادة ما تحصل في زمن الحروب، وإن بقاء المؤسسة العسكرية السورية مترفعة عن المفاسد الدنيوية لتبقى العقيدة الوطنية المهيمن الأساسي على واقع المؤسسة الصامدة في وجه الإرهاب هو خير مثال على ما نقول.
لكن الأهم برأينا هو القضاء على الفكر الإرهابي المبني على الفساد وهذا لا يشمل الإرهابيين الدخلاء على الجغرافية السورية، بل لابد من محاربة الفكر الإرهابي بوجوده الشاذ ضمن المجتمع السوري وهو الذي تلقف ما تضخه قنوات الفساد الديني أو الفساد الأخلاقي وكلاهما يصب في مصلحة الإرهاب الفكري الذي فسح المجال للإرهاب المسلح بالدخول.
وعليه المطلوب اليوم أكثر من أي وقت مضى تعاون دولي للقضاء على الوجود الإرهابي بشقيه الفكري والمسلح وهو ما تسعى له سورية وتمد اليد لكل مسعى في هذا الاتجاه.