اكسروا جدار الصمت! هل ستعود المياه إلى مجاريها؟..بقلم: ندى الجندي

اكسروا جدار الصمت! هل ستعود المياه إلى مجاريها؟..بقلم: ندى الجندي

تحليل وآراء

الأحد، ٩ أغسطس ٢٠١٥

الماء هو الحياة.. ولكن يكفي أن تثير العاصفة غضبه حتى يتحول إلى وحش مرعب يبتلع كل من يقف في وجهه في لحظة هيجانه هذه..!
تجربة الحياة تتحول إلى تجربة التهديد والموت..!
ولكن العاصفة مهما كانت عاتية.. شديدة فلابد أن تهدأ ثورتها، وقد تغير مسارها وتلتمس اتجاهاً معاكساً..!
الغيوم السوداء لابد لها أن تنقشع.. ضوء الشمس عائد لا محالة بقوة يخترق ظلام الجهل.
رغم ما يتغلل في الأفق من خيوط رمادية إلا أن نور الحقيقة لابد له أن يسطع وتعود المياه إلى الانحسار تعود إلى حالتها الراكدة فهي الآن هادئة..
أتراها أدركت أسباب غضبها؟
أتراها تعرف خفايا الصراع الذي تواجهه ودفع بها إلى حالة الضياع هذه؟
ولكن هل ستبقى هادئة بعد أن استطاعت كبح لجام غضبها؟
والسؤال الأهم هل هي فعلاً هادئة أم إنها انحسرت فقط وكأنها في حالة انحباس، قد تأتي عاصفة أخرى تدفعها للثوران من جديد!!؟
نتساءل قصة أي زمان.. وأي مكان هذه؟
إنها قصة كل زمان وكل مكان يغدو فيه الإنسان غريباً عن أخيه الإنسان.
إنها حكاية كل إنسان يعيش تجربته الداخلية في حالة انعزال.. انسحاب من الآخرين يحاور النجوم.. يريد أن يطلق صرخته عالياً ولكنها تختنق.. ولا تستطيع أن تخرج من بين شفاهه.
البدر يقول له في ظلمة ليله: أنا أستمع إلى شكواك وما عليك إلا البوح بما يجول في قلبك.. تكلم.. اكسر حاجز الصمت ولكن جليد الصمت لا يذوب إلا إذا وجد لكلماته صدى من حوله!
يعيش الإنسان في حالة اغتراب عندما لا يجد مساحة يستطيع فيها التعبير عن نفسه..
مساحة يلقى فيها آذاناً مصغية تنصت إلى كلامه.. تحاور فكره، مساحة يشعر فيها بالأمان.. يتحدث عن آلامه آماله.
مساحة تحتويه، يسكن إليها فيغدو معها التفكير سر وجوده!
فهو لم يعد بحاجة للاحتماء بأي عاصفة قد تحمله بعيداً من دون أن يدري إلى أين المسير؟؟
فلا تستطيع أي عاصفة هوجاء مهما كانت ظالمة أن تلغي وجوده ما دام يفكر "أنا أفكر إذاً أنا موجود"
لكن الفكر لا يبصر النور إلا إذا وجد مساحة يستطيع فيها التعبير.. قد تكون أداته لحناً جميلاً يعزف فيه على أوتار حبه.. معاناته.. وقد تكون ألواناً مختلفة تتجسد في لوحة يعكس فيها خفايا الواقع بما يحمله من جمال وألم!
أو تكون قصيدة تختزل بأبياتها صدى تجربة حية وتعكس برمزيتها المعنى الحقيقي.
وتبقى الكلمة هي الأداة الأكثر قوة وأثراً بين الإنسان وأخيه الإنسان، وخاصة إذا كانت صادقة تخرج من القلب إلى القلب، فالحوار هو الذي يجسد هذه العلاقة ويبلور أبعادها الإنسانية، في غمرة هذا الوجود والصراع يتجلى فيه بصوره الأكثر وحشية..
ولكن ليس أي حوار ومضمونه يحمل كلمات ليست ككل الكلمات.
حوار يُتقن فيه أولاً فن الإنصات، يستمع أحدهم إلى الآخر لا يغني فيه كل على ليلاه ويتحول إلى حوار الطرشان.
حوار مفتوح يستطيع فيه الإنسان أن يدلو بدلوه من دون الخوف من إطلاق الأحكام والنظرات التي تحمل اللوم أو التحقير وتخلق حالة من الشعور بالذنب.
حوار يعبر فيه الإنسان عن إنسانيته، حوار يستطيع فيه الإنسان أن ينسج خيوط فكر بناء وحوار يتوافر فيه الشعور بالأمان يطلق فيه الإنسان العنان لأفكاره.. صراعاته.. مخاوفه.
فإذا لم يتوافر الحوار المفتوح بين الطفل ووالديه، بين الزوج وزوجه، بين الأصدقاء، بين الحبيب ومعشوقته، بين الشعب والدولة، ينكسر جسر الثقة بينهما وتتلاشى العلاقة وتنهدم جسور المحبة.
ها هي أربعة أعوام حزينة قد سرقت من تاريخنا.. دماء ودموع اندثرت معها أحلام الطفولة.
عاصفة مدمرة ومدبرة حاولت أن تطيح بوجودنا وتقتلع معها عروش الياسمين عزفته على أوتار الصمت الخانق الذي يسود الأجواء وشكل طبقة قاسية من الجليد بين أطياف الناس جميعاً.
تقطعت معها جسور الثقة وصار الإنسان يتخوف من أخيه الإنسان..
ولكن الجذور متأصلة عميقة والياسمين بياضه ناصع يبقى صامداً لا يفقد لونه مهما جارت عليه الأيام.. ولكن إلى متى يبقى ثابتاً؟ فلابد من أن ينكسر جدار الصمت حتى تعود المياه إلى مجاريها..
ولكن هل يعود الشيء إلى سابق عهده؟؟ وأي رؤية قاصرة هذه التي لا تدرك مسيرة التطور، وترفض أن توسع آفاق رؤيتها، فالقلوب ما زالت جريحة، وتقطر دماً قرمزياً ولكن الكل يناشد العودة.. والنهوض من جديد رغم الآلام، فلابد لجدار الصمت أن ينكسر، حتى يجد كل إنسان مساحة يتفيأ فيها بظلال الياسمين.