الخذلان في الحرب موجع أكثر من الموت.. بقلم: إيفلين المصطفى

الخذلان في الحرب موجع أكثر من الموت.. بقلم: إيفلين المصطفى

تحليل وآراء

الأحد، ٩ أغسطس ٢٠١٥

Evlism86@gmail.com
"خمس سنوات مرت من عمر الأزمة السورية".. هكذا يوصف العالم ما تعيشه سورية وكأن الأزمة باتت قدراً على الشعب السوري بكافة أطيافه واتجاهاته السياسية والوطنية وأصبح لها عمر زمني حالها حال أي كائن حي يعيش على وجه الخليقة.
كتاب وباحثون وصحفيون كتبوا عن سورية وشعبها، منهم من تاجر بقلمه وحقق شهرةً على حساب الدم السوري ومنهم من حاول أن يوصف الواقع كما هو تحت ما يسمى نقل الواقع كما هو، وآخرون حللوا واجتهدوا بمخيلتهم لطرح حلول وسيناريوهات للخروج من الأزمة، لكن ماغفله الجميع أن الحرب لا تؤلم سوى أصحابها وضحاياها.
يسألني صديقي في المغترب، سبق له أن عاش في سورية قبل الحرب وأمضى فيها أجمل الأيام، حدثيني بعد مضي خمس سنوات كيف يفكر السوريون بقدرهم، أقول له إنه مهما جالست من فئات الشعب السوري فالجميع يعاني من فاتورة الحرب والجميع يفتقد لسورية التي عاصرها بماضيه، ولو سألت عن الحل لهذه الحرب لوجدت أن الحلول تأتي بإطارها المفرد وليس الجمعي، فمنهم من قرر الرحيل والهجرة ومنهم من باع كل ما يملكه وبدأ مشوار السفر ولو بطريقة غير شرعية، أما من هم في الداخل فمهما كان موقفهم تجاه ما يحدث في وطنهم إلا أنهم متفقون على البقاء حتى آخر نفس على تراب وطنهم.
 يسألني صديقي كيف تتعامل الحكومة مع مواطنيها في ظل الحرب؟ سؤال صديقي قابلته بصمت حتى إني لم أجد جواباً شافياً لسؤاله واكتفيت بأن أقول له جواباً مختصراً " الخذلان في الحرب موجع أكثر من الموت".
وبما أنني أنتمي لهؤلاء الناس الذين يعيشون حياتهم اليومية بشق الأنفس، وبحكم مهنتي التي تتطلب مني الاحتكاك بشريحة واسعة من الناس لأصغي لمشاكلهم وهمومهم ومطالبهم وجدت أن الأغلبية ممن قابلتهم يعيشون حالة من الإحباط وفقدان الثقة بالوعود التي تطلقها الحكومة عبر مسؤوليها في سعيها الجاد لتحسين واقع المواطن المعيشي، أنقل لكم بعضاً منها:
حدثني أحدهم حينما سألته عن رأيه في سياسة الحكومة لتحسين الواقع المعيشي؟: " نحن ندرك أن الحرب التي نعيشها قاسية وموجعة لكن ماذا عن الوعود التي يطلقها المسؤولون وهم خلف مكاتبهم ألم يكتفوا من النفاق؟"، في حين تقول لي إحدى السيدات" فقدت اثنين من أبنائي في الحرب، لقد كنا نعيش بأمان واليوم نقدم أولادنا وشبابنا للدفاع عن أمننا ومع ذلك نجد أن بعض المسؤولين يبيعوننا الوهم والشعارات الفارغة بأنهم سيقدرون تضحيات أبنائنا وحتى اليوم لم أحصل على شيء يعوض فقداني لأبنائي الذين راحوا ضحية الحرب، وكلما قابلت مسؤولاً يقول لي" نبارك لك شهادة أبنائك، أقول له "على قبال ابنك"، ولكن للأمانة قاموا بدعوتي لحفل تكريم للشهداء منحوني خلاله سلةً غذائية ودرع تقدير، وتكمل عبارتها هكذا يتم تقدير الشهداء"، حال هذه السيدة ليس بعيداً عن حال الذين قرروا تأدية الخدمة العسكرية الإلزامية حيث يحدثني أحدهم :" مبدئي في هذه الحرب لا أحيد عنه وإني أدافع عن وطني لأن فيه أهلي وأحبتي لكن مالا أقبل به أن يعتقد بعض المسؤولين أنني سأقبل بأن أضحي بدمي ليستمروا بالسرقة والفساد وسرقة حقوقنا وحقوق أهلنا، رغم أنه وخلال سنوات هذه الحرب، كنا نجد أن بعضاً ممن تسلموا منصباً قيادياً كان هدفهم السرقة وكانوا يقومون بدفعنا على خطوط المواجهة لنكون ضحية لحماية مناصبهم وليس لحماية الوطن"، ولايكاد ينهي كلامه حتى يقاطعه في الحديث زميل له قائلاً: " لقد اتخذت قراري بحمل السلاح والدفاع عن بلدي لكن سأوجه سلاحي ليس فقط تجاه من يحارب وطني من الخارج، بل أيضاً سأشهر سلاحي على من سرقوا ونهبوا ثروات وطني سأوجهه ضد من ادعى الوطنية وتسلقوا على جراح السوريين، أنصاف القياديين الذين في ظل الاشتباكات يهرعون للسرقة ولا يلقون بالاتجاه من معهم، هؤلاء سنحاربهم أيضاً"
ويكتمل الحديث هنا بمشاركة شابة تصرخ قائلة :" تخرجت منذ سنتين ولم أجد فرصة عمل في أي مؤسسة حتى لو كان عقداً لمدة ثلاثة أشهر، واضطررت لأن أعمل مربية أطفال كي لا أمد يدي لأحد خاصة أني نزحت مع عائلتي من منزلي في حلب ولدي التزامات مادية وحاولت أن أقابل مسؤولاً لكن دون جدوى فالجميع مشغول باجتماعات لا تغني ولاتسمن.. إلى متى سنبقى صابرين على مثل هؤلاء المسؤولين لقد طفح الكيل، هل يقبل أحد منهم أن يعاني أحد أولادهم ما نعانيه؟"
هذه العينة مما سمعته ونقلته عبر هذه المقالة ليست جواباً على سؤال صديقي، إنما هي مشهد من الحياة اليومية في ظل الحرب يوثق أصوات وأوجاع شريحة من السوريين الذين لم يكترثوا للعالم الخارجي ولم يعنهم يوماً ما يقال في نشرات الأخبار العالمية العربية منها والغربية بأن العالم خذل الشعب السوري، لكنها وثيقة تؤكد أن الشعب السوري خذلته حكومته عبر بعض مسؤوليها، فبعد مضي خمس سنوات من الحرب التي لم يشهد التاريخ أقسى منها منذ الحرب العالمية الثانية، مازال بعض المسؤولين يتعاطون مع المواطنين وكأن الحرب تدور في كوكب آخر، فهل يعقل أن يزور المسؤولون وعلى مضض محافظة حلب للاستماع إلى الصعوبات التي يعانيها أهالي حلب؟ هل من المنطقي أن تكون الحكومة قد أصمت أذنيها عن مشاكل المواطنين طوال خمس سنوات، وإلا فما الفائدة من زيارة المسؤولين لمحافظة عانى أهلها انقطاع الماء والكهرباء ووصلت ربطة الخبز فيها في بعض الحالات إلى 2000 ليرة سورية؟ أليس من المفترض أن تكون الزيارة هي زيارة عمل متضمنةً حلولاً لهذه المشاكل مع إدراكنا بأن ظروف الحرب قاسية على الجميع خاصة في ظل تدمير البنى التحتية والخدمية وندرك أن الخسائر كبيرة. لكن هل تدرك الحكومة بمسؤوليتها في جميع القطاعات أن الشعب السوري يعيش حالة من الخذلان على الصعد كافة وأنه لم يعد يحتمل مزيداً من الوعود الزائفة، فالخذلان في زمن الحرب مؤلم أكثر من الموت، وإن كان الموت يوجع النفس مرةً فالخذلان يقتل النفس مرات ومرات.