الإعلام الإصلاحي.. بقلم: د. عبد الرزاق المؤنس

الإعلام الإصلاحي.. بقلم: د. عبد الرزاق المؤنس

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٤ أغسطس ٢٠١٥

لا تتحقق هوية الإعلام الصحيحة إلا إذا حقق في وجوده وحضوره ثلاثة أركان وموافقات وهي؛ قاعدة ومنطلق، مناهج وبرامج، غايات وأهداف، وإن هوية الإعلام العربي والإسلامي لن تكتسي أردية الكرامة والعزة إلا إذا سُقيت من منابع حضارة هذه الأمة في لغتها ودينها الحق، وهي عندما تطلع إلى إعلام الآخرين قبل أن تتمكن من مواد شخصيتها الإعلامية التكوينية، فإنها ستَظلم قضاياه وستغش في أدائها، وستنقلب إلى إعلام صياحي وإلى ضوضاء تعزف ألحان هموم الأمة وأنغام أوجاع الوطن، وقد يصفق لها المصفقون المصلحيون الانتهازيون أو المغفلون ثم ينتهي موسم الحصاد!، وتبقى مكامن الخطر لم يتغير منها إلا الزمن والمصطلحات..؛ فالإعلام في هذه الأمة هو مدرسة عظمى، وجامعة شاملة، ومصانع منتجة، وإذا لم يكن للإعلام الإصلاحي مبادئ مقدسة في أولوية رعاية الوطن والمواطن على أولوية الرسالة الخالدة لهذا الدين وللغة القرآن العظيم فلن يكون لهذا الإعلام الإصلاحي منهج أصيل، لأنه عندئذ سيخترع له منهجاً في غير أصله وبيئته ومصلحته؛ ثم إن ذلك لا يتعارض مع اختلاف التدينات والطائفيات، فهذه كلها خصائص محترمة عند أصحابها، وينبغي لكل مختلف أن يحترم ما لدى الآخر في هذا الشأن، وهذا كله إنما يصب في الدائرة الأوسع وهي دائرة الوطن، ولا يمكن أيضاً لهذه الاختلافات أن تطمئن في عملها وفي مستقرها الوطني إلا إذا وحّدتها جميعاً قيم الاحترام والثقافة والتعاون والتكامل؛ لأن الاختلاف في المشارب والانتماءات هو قدر رباني ليتحرض كل مفصل من مفاصل الوجود الاختلافي بأحسن ما عنده في ألوان من الإنتاج المادي والخلقي حتى تتحقق به براعة التواصل فيما بينها لتمتحن بذلك نفسية الإنسان وليُعرف المصلح من المفسد؛ فإن هذا الكون في جميع قضاياه إنما فُطر على مبدأي الثواب والعقاب، الحق والباطل، العطاء والمنع، وهكذا كما قال الله تعالى: (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين، ولذلك خلقهم..) ومن أجل معاينة هذا الاختلاف عن وعي وتوفيق فلا نستطيع ذلك إلا إذا فهمنا عن الله تعالى أنه: (رب العالمين، الرحمن الرحيم)، وأنه هو الذي شاء في سر خلقه للبشر أن يكونوا كذلك، وقد أوصى عز وجل لأجل التوحد الحضاري أن يتعرف ويتعارف الناس جميعاً شعوباً وقبائل ذكوراً وإناثاً على منهج هذه المعرفة التي تكونها الثقة والاطلاع وحسن الاختلاط، وبقدر ما يكون هذا الاختلاط صادقاً طيباً ذا برامج إعمارية عملية قوية تتواصى على الاحترام بين جميع الفئات والناس والطبقات وعلى الأخلاق التي لا تعرف كذباً ولا مكراً ولا إفساداً، ووفق ما وضحه القرآن الكريم، -وهذا كله هو مفهوم رسالات جميع الأنبياء- فإن الإنسان العارف بهذه التوصيات هو الأكرم وهو المكرم عند الله تعالى وهو الأتقى، وما قيمة الإعلام الإصلاحي الذي تقيدت مهماته بهذه المطالب إذا لم يجتهد وينهض ليُعرف الأمم والشعوب بدءاً من وطنية هذه الأمة حتى يقيَ جيل هذه المحن والشدائد من مراوغات الإعلام المضاد ومن فتنته السامة التي أثرت في انسلاخ الكثيرين من شبيبتنا عن لغتهم وعقائدهم وأخلاقهم ومن ثمَّ وطنيتهم؟!