غضب أمريكا أرحم من رضاها.. بقلم: كميل العيد

غضب أمريكا أرحم من رضاها.. بقلم: كميل العيد

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٤ أغسطس ٢٠١٥

إذا رضيت أمريكا فعلى من يقع عليهم الرضا أن يتحملوا الضغوط والطلبات، بل أن يخوضوا الحروب نيابة عنها وأن يدخلوا بلادهم وشعوبهم في حروب عبثية تحقق مصالحها بدل أن يستثمروها في البناء وتطوير التنمية الزراعية والصناعية لشعوبهم.
 وإذا غضبت أمريكا فستستخدم كل أدوات التحقير والمكر الإنساني والإعلامي والسياسي والعسكري ضد من تغضب عليهم ممن لا يخدمون مصالحها ويقفون عائقاً أمام عربدتها. وهنا يبرز دور الشعوب والنخب والحكومات الوطنية الواعية والناضجة والتي قدرها أن تقاوم وتقف مجبرة لا مخيرة في وجه الغطرسة الأمريكية الاستعمارية. أسوق هذا الكلام لكيلا ننخدع بأي تصريحات تصدر عن أي شخصية في الإدارة الأمريكية. فللولايات المتحدة الأمريكية أهداف استراتيجية تريد الوصول لها بغض النظر عن الإدارة التي تدير البيت الأبيض أكانت جمهورية أم ديمقراطية هذه الاستراتيجيات لخص الوصول لها جورج بوش الأب بعد حرب الكويت بقوله: "سنعيد العراق إلى القرون الوسطى". وما قاله بوش الأب يلخص المنهجية الأمريكية في التعامل مع المنطقة ومنطق خلق الأزمات فيها بدءاً من العراق حيث توجد أكبر سفارة أمريكية في العالم مروراً بسورية ودول عربية أخرى. لذلك فإن الثقة بأية تصريحات تزغزغ المشاعر صادرة عن الإدارة الأمريكية ينبغي النظر إليها من خلال الدينامية التي تحرك السياسة الأمريكية وإلا فنكون نرتكب خطأً كبيراً قد يؤدي إلى نتائج مأسوية لا تحمد عقباها. فلنأخذ مثلاً الحرب الأمريكية على داعش وتصريحات أوباما وكيري ورئيس الاستخبارات الأمريكية وقولهم بأن الحرب على داعش ستستمر سنوات وما معناه أن الأزمة السورية مشروع طويل الأمد، وأن الحلول هناك ليست سحرية، وكذلك التصريحات المتضاربة الصادرة عنهم والتي تتحدث تارةً عن ضرورة فتح قنوات تواصل مع القيادة السورية وضرورة الحفاظ على مؤسسات الدولة السورية وتارةً عن إسقاط النظام الوطني في سورية. وهنا أسأل ماذا يعني هذا الكلام والى أين تريد أن تصل السياسة الأمريكية وأجيب؟.
1-    تريد الولايات المتحدة الأمريكية توجيه رسالة لنا كسوريين بشكل خاص هي أن عذابات الإنسان السوري ستستمر لأجيال وأن تخريب الكيان الوطني مستمر وعلى الشباب وأصحاب الكفاءات المهنية والعلمية الهجرة والبحث عن وطن بديل ليبقوا أحياءً فوق التراب لا تحته. وبالتالي الوصول إلى الهدف الأكبر وهو تفريغ سورية من نخبها وشبابها ليتسنى وقف دورها الطليعي في المنطقة العربية.
2-    تريد أمريكا أن تدخل بطاقاتها التكنولوجية والمخابراتية ساحة الصراع ضد المغضوب عليهم أمريكا والذين يقفون في وجه مصالحها التي تتعارض ومصالح ومستقبل المنطقة العربية وشعوبها. تحت غطاء تأمين حلف لضرب داعش والتنظيمات الإرهابية (والتي لولا أمريكا لما وجدت أصلاً).
3-     دعم حثالة من السوريين المنحطين والمتخلفين إنسانياً وحضارياً والذين لا يملكون أي إرث أو تاريخ وطني أو أخلاقي وتقديم السلاح لهم ووضعهم على رأس مجموعات مسلحة تقود الصراع ضد الدولة الوطنية السورية وضد مؤسساتها بقصد تدميرها.
4-     الوصول في سورية لاعتماد نظام المحاصصات الطائفية وديمقراطية زعماء الطوائف بدل نظام تكافؤ الفرص.
5-     تدمير ما تم بناؤه في سورية من مجالس محلية ومجلس شعب والسائرة بطريق التحويل الديمقراطي بغض النظر عن الملاحظات التي تأتي من هنا وهناك عن آليات وصول الأشخاص إلى هذه المجالس، واستبدال هذه المؤسسات بمجالس الملل والطوائف.
6-     تسييس الاختلافات الدينية التاريخية، فالمتأمل لحالنا وتاريخنا يدرك بأن كل ما نراه من صور التأزم المذهبي والطائفي ليس ناتجاً عن الاختلاف الديني وإنما عن تسييس هذا الاختلاف ونقله من المستوى الروحاني إلى مستوى الصراع الأيديولوجي.
فإذا كانت هذه هي سياسة الدولة الاستعمارية الأم في هذا العصر فهل من وسيلة لإجهاض وعرقلة مشاريعها التي تستهدف حاضرنا ومستقبل أجيالنا؟... برأيي ممكن أن يتم هذا الشيء من خلال البعث العربي الذي يجمع كل المكونات ويصهرها في بوتقة واحدة، ولكي يتم الانسجام والالتحام بين الحزب والجمهور لا بد من العمل السريع على تهيئة النخب والكوادر البعثية وتدريبها للتمكن من قيادة الجمهور والعمل ضمن البيئات السكانية وفق منظور جديد يناسب المرحلة، كما لا بد من إخضاع كل شيء لقاعدة يشترك جميع الأعضاء في وضعها، فبقدر ما يشترك الناس بالبناء يشعرون بأن المشروع مشروعهم وأن تحقيقه واجب وحق وفرض عليهم.