بين حرق الأحياء وإطفاء الأوطان: ماذا عن تقارب السين سين؟

بين حرق الأحياء وإطفاء الأوطان: ماذا عن تقارب السين سين؟

تحليل وآراء

الأحد، ٢ أغسطس ٢٠١٥

لم يكد المستوطنون الصهاينة ينتهون من قراءة نص المقابلة التي أجرتها «هآريتس» مع المؤرّخ «الإسرائيليّ» المتطرف «بيني موريس» قبل أمس حتى شرعوا بالانتقام مما حذرهم منه. «موريس» قال بالحرف إن «الأرحام الفلسطينية» هي التي ستقضي على ما سماها دولة «إسرائيل» بالتشارك مع النووي الإيراني. يبدو أن النووي الإيراني بات أمراً واقعاً لم يعد بإمكانهم إيقافه، فاختاروا الهدف الأسهل: ما أنجبته «الأرحام الفلسطينية».
مستوطنون يحرقون الرضيع «علي دوابشة» وهو حي. مرَّ الخبر على مستعربي ربيع الدم العربي وكأن شيئاً لم يكن؛ فلا دعوات للجهاد ولا دعوات للانتقام، منهم من لم يشأ حتى أن يسميه شهيداً، أما ملك شرق نهر الأردن الذي بشَّرنا بأن لا مطامع له في العراق وسورية، ظنناه سيخرج ليقول لنا بأنه سيثأر بذات الطريقة التي ثأر بها من الذين أحرقوا «معاذ الكساسبة».
أحرق الـ«بو عزيزي» نفسه، فأحرق معه الأمة من المحيط إلى الخليج، أما عندما يحرق المستوطنون رضيعاً فلسطينياً، فيصمت الجميع؛ لا ثورة ولا حتى دعوات للاقتصاص، هذا إن لم يقم محمود عباس بقيادة مسيرة شموع تحيةً لروح الشهيد الطفل، فمتى سنتعظ أن الاستمرار بالتنسيق الأمني مع الكيان الصهيوني ما هو إلا سم يقتل القضية الفلسطينية ببطء؟ بمعنى آخر عندما تقوم هذه السلطة بقمع أي محاولة للانتفاض ضد الاعتداءات المتكررة التي بلغ عددها حسب «صائب عريقات» 11 ألف اعتداء منذ عام 2004، فهل سننتظر منها السماح بالتحرك بعد هذا الاعتداء؟!
لكن في المقابل علينا ألا نحمّل الفلسطينيين وزر كل شيء، فالوضع الفلسطيني بشكلٍ عام ما هو إلا انعكاسٌ للحالة المزرية التي وصلت لها الأمة من شرقها إلى غربها، فالذئاب تتناهشها وتحاول تقاسم كعكتها، بينما هم ما زالوا مختلفين على الأولويات. لم يستطع الفلسطينيون حل خلافاتهم الداخلية، هذا الانقسام أضر بكل ما يمت للقضية الفلسطينية، لكن السؤال المطروح هل نجحت الدول العربية يوماً بإدارة خلافاتها لتنجح الفصائل الفلسطينية بذلك؟!
عندما زار فابيوس إيران، أبدت الصحف الفرنسية اهتماماً خاصاً بالزيارة، لكن «اللوفيغارو» بنسختها الإلكترونية وضعت صورة للرئيس الأسد وتساءلت، على ماذا يختلف كل من فرنسا وإيران؟! في إشارة أن نجاح الدول في إدارة الخلافات مهما تشابكت الملفات، سيؤدي حكماً لنتائج ترضي الجميع.
في المقاربة مع الحالة العربية لا يبدو السؤال لماذا لم يتفق العرب، فحالة عدم التوافق تبقى طبيعية، لكن في الأساس على ماذا يختلفون، تحديداً إن الماكينة الإعلامية التي تثني على توافق إيران مع الغرب هي ذاتها التي تجاهلت حرق الرضيع الفلسطيني وتروج ليل نهار لأن كل ما يجري في المنطقة سببه الصراع المذهبي، وتسعى جاهدةً لتبرئة الغرب من مطامعه، فمتى سنعي أن لا معجزات في السياسة، بل بحث عن المصالح.
طوال عقود عجزت الدول العربية عن إدارة أي حالة خلافية بينها، كان الحل الوحيد لديهم هو التآمر على من يختلفون معهم من أبناء جلدتهم؟ هذا الأمر لم يكن حكراً على من نسميهم «مشيخات»، حتى من يدّعون الانفتاح لم يكونوا بأحسن حال، ألم يدخل صدام إلى الكويت وكانت له اليد الطولى بالإرهاب الذي ضرب سورية في ثمانينيات القرن الماضي بالاشتراك مع «الرجعية العربية»؟ ألم يكن الملك حسين «جاسوساً برتبة ملك؟ فهل من الممكن للمتغيرات في المنطقة أن تعيدنا لشكلٍ جديد من عملية إدارة الخلافات «العربية- العربية»، أم إن الدماء التي سالت والمعروف من المسؤول عنها نقلت الأمر من موضوع «خلاف» إلى موضوع «عداء»؟
منذ أيام أخبرنا الرئيس المصري بأن مصر ومملكة «آل سعود» هما جناحا هذه الأمة. كدنا نجهش بالبكاء من فيض المشاعر التي يتمتع بها السيسي. ربما كان السيسي ذكياً بإيحائه، هو لم يقصد هنا كلتا الدولتين بما تمثلان من ثقلٍ «عروبي إن وجد»، هو أراد أن يقول إن جناحي الأمة هما الوهابية والأزهر. أراد الرجل من خلال هذا الإيحاء أن يطوي عقوداً من العداوة «المبطنة» بين الجانبين، لكنه عبثاً يحاول فلا الوهابية قادرةٌ أن تمسح عنها دماء الأبرياء الذين تورطت بهم ولا الأزهر قادرٌ أن يجدد صورته التي تشوهت بسبب التردد حتى في تكفير الإرهابيين. لكن السيسي حاول أيضاً الكسب من خلال أمرين:
الأول هو استضافة مصر لما يسمونه اجتماعات المعارضة السورية في القاهرة والثاني ما يتم تسريبه عن لقاءات جمعت مسؤولاً أمنياً سورياً بوزير الدفاع في مملكة «آل سعود».
في الإطار الأول لا يبدو السيسي قادراً أن يحقق ما يطمح إليه من مقترحات للحلول، باعتبارها مقترحات تستثني بشكل عام إرادة الشعب السوري. أما في الإطار الثاني فلا يبدو أن السيسي قادرٌ على أن يلعب أي دور -إن صحت التسريبات- تحديداً أن السوريين قادرون على الذهاب للتفاوض مع الجميع، لكن لا يعني هذا الأمر بأن سورية ستصبح حديقة خلفية لـ«آل سعود»، ولا يعني هذا الأمر أن الدماء التي سالت هي مجرد «خلاف بوجهات النظر»، حتى الأطراف المتحاربة في المعارك تترك بينها خيط اتصال، لكن هذا الأمر لا يعني استسلام أحدهما للآخر ولا يعني أن الأمور ستنقلب من ضحية إلى جان والعكس، فسورية لم تتورط بدماء السعوديين، ولم تسع إلى حصارٍ اقتصادي يجوِّع الشعب السعودي. وعليه فإن التراجعات -إن حدثت- هي تراجعاتٌ لا علاقة لها بالعودة للخلف، هي من حيث المبدأ نتيجةٌ منطقيةٌ لعاملين: الأول هو الاتفاق النووي الإيراني وما تبعه من إعادة تعويم لأفكار دي ميستورا الجديدة، والثاني هو اهتزاز الوضع في تركيا، فأيهما قد يكون سابقاً للآخر؟
يوماً ما عندما أطلق الاتحاد الأوروبي المفاوضات مع تركيا قال صحفي نمساوي إن العودة للمفاوضات هي الإحساس بأن الغزاة باتوا على أعتاب فيينا، في استذكارٍ لمحاولة العثمانيين اقتحام المدينة واحتلالها. لم يفهم أردوغان بعد ما يريده الأوروبيون، بمعنى آخر ما زال الجميع يرقص على المسرح السوري معتقداً نفسه لاعباً، ليكتشف بعد أعوام أنه بات ورقةً قابلةً للتفاوض، فهل ينفع الندم؟
لا يبدو أنه سينفع فبعد أن بحثت أميركا بـ«السراج والفتيلة» وجدت نحو ستين شخصاً دربتهم وأرسلتهم للداخل السوري تحت مُسمى معارضة معتدلة، فاعتقلتهم «النصرة». تبدو كذبة الاعتقال مرتبطةً باحتمالين:
الأول أن الأتراك ما زالوا يغردون خارج السرب الأميركي، وأن ما جرى هو مجرد تشويش على الجهود الأميركية التي لا يبدو أنها تصب في الخانة التركية ذاتها، فالخلافات واضحةٌٌ تحديداً بما يخص المناطق العازلة، والأهم ما يتعلق بالحرب التركية على «داعش» التي تبدو فيما تبدو غطاء لضرب الأكراد «وليس العمال الكردستاني»، وهذا الأمر يثبته توزع عدد الغارات لكلا الجانبين.
أما الاحتمال الثاني، فهو أسلوب خداع اتبعته كل من تركيا وأميركا للإيحاء بأن «النصرة» اعتقلت هؤلاء، وربما نشاهد بعد فترة فيديوهات إعدام لهم. لكن في الحقيقة هؤلاء هم من «جنس النصرة»، دربتهم الولايات المتحدة برداء الاعتدال وأقحمتهم في الجبهة المحظورة دولياً لتبدو الولايات المتحدة وكأنها كعادتها حمامة سلام، وخاصةً أن «النصرة» قالت: إن سبب اعتقالهم أنهم ينفذون أجندة أميركية، على أساس أن الأجندة «الإسرائيلية» التي تنفذها «النصرة» في الجنوب السوري تختلف. تحديداً أن كلا الأجندتين يغذي الإرهاب كوسيلةٍ لإسقاط الدولة السورية، فهل سينجح دي ميستورا في طروحاته الجديدة بالسير على هذه التناقضات؟
بدا دي ميستورا من خلال طروحاته غير المتوازنة تحديداً فيما يتعلق بالقدرة على التأثير في من يحمل السلاح وكأنه يسير على خطا سلفه «الأخضر الإبراهيمي»، فلا هو قادر على تلبية طروحاته، ولا حتى الإجابة عن السؤال الأساسي: ما المرجعية الواحدة لكل هذا الإرهاب على الأرض؟
يبدو هذا اللاتوازن في الطروحات وكأن دي ميستورا يريد أن يقول لنا من حيث لا يدري أحد أمرين:
إما أن الدول التي تتحدث عن «دور الأسد» هي بالحقيقة الدول الداعمة للعصابات الإرهابية، وهي ستُنهي هذا الإرهاب بمجرد تحقيق حلمهم برؤية سورية من دون الأسد، ولا صحة لما يُشاع عن قلق هنا وهناك من انهيار الدولة السورية وكأنهم طوال السنوات الأربع لم يساهموا أساساً في انهيار الدولة في المدن التي خرجت عن سيطرتها.
أما الثاني فهي الاعتراف أنه لا مرجعية واحدة لكل هذا الإرهاب وهو يتوافق ضمنياً مع ما تقوله القيادة السورية عندها ما الحل؟
لا جواب… لأن الحل هو بسواعد الجيش العربي السوري فقط الذي سينتج بصموده حلاً سياسياً وليس العكس، ليبدو الحديث عن المعجزات الروسية التي كما قلنا سابقاً إنها تحصيل حاصل أمام المعجزات التي نصنعها بأنفسنا، فلا حل سياسياً من دون نقاط واضحة تنهي الإرهاب، تحديداً إذا ما أكمل المشروع الأوروبي فكرة توريط الأتراك في حربٍ لا ناقة لهم فيها ولا جمل، إلا نزوع أردوغان نحو النجاة من مقصلة التلاشي السياسي، عندها فقط يبدو أي لقاءٍ أو مشاوراتٍ تجمع أي طرفين في هذا الإقليم هي محاولةٌ أخيرة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وليس كما يفهمها البعض ذوبان وتبعية… ولنع أن لكلّ سقوط ارتداداً يتحدد حسب حجم الكتلة التي ستسقط. لننتظر.