الذهب خسر بريقه وخسر المضاربون رهانهم.. بقلم: إيفلين المصطفى

الذهب خسر بريقه وخسر المضاربون رهانهم.. بقلم: إيفلين المصطفى

تحليل وآراء

الأحد، ٢ أغسطس ٢٠١٥

EVLISM86@GMAIL.COM

"إن السوق يشبه المحيط، فهو يعلو بموجه ويهبط من دون أن يُعير انتباهه إلى ما تُريده أنت.
قد تشعر بالسرور إذا اشتريت سهماً وازداد سعره، وقد يجف حلقك وتتصبب عرقاً حين تشتري سهماً وينقلب السوق ضدك وتبدأ أموالك بالذوبان مثل الثلج مع كل درجة هبوط للسعر.
هذه المشاعر ليس لها وجود إلا في نفسك ولا تتعلق بالسوق. إن السوق لا يشعر بوجودك, ولا تستطيع أن تفعل شيئاً لتؤثر به وإنما تستطيع أن تسيطر على سلوكك. قد تشعر بالسرور حين تبحر بزورقك الشراعي في يوم مشمس, وقد تشعر بالخوف والهلع في يوم عاصفٍ حين تدفع بك الأمواج باتجاه الصخور. إن مشاعرك عن المحيط توجد فقط في داخلك وهي تهدد بقاءك إذا تركتها تسيطر على سلوكك بدلاً من عقلك." بهذه الكلمات وصف المحلل الاقتصادي الدكتور نادر الشيخ الغنيمي ما يسمى علم نفس المضاربة، ومن خلال بحثي عن الخفايا التي تؤثر على تداول سلعة ما وانخفاض سعر سلعة أو ارتفاعها لم أجد تفسيراً منطقياً لما أشاهده على شاشات تداول الأسواق بكافة قطاعات الأسهم والسندات والسلع، فجميع التحليلات التي تترافق مع انخفاض سعر سلعة مثل النفط أو الذهب أو حتى سعر صرف عملة مقابل غيرها من العملات تأتي تحليلاتها أما وفق ما يدعى بالتحليل الفني أو التقني.
ولتفهم آليات التداول والخفايا التي تقف في تأثيراتها على أسعار السلع وجدت من المهم جداً استعراض مثال عن سلعة نوضح من خلالها كيف يمكن لرياح منصات التداول أن تجري عكس ما يشتهيه المتداولون سواء منهم المستثمرون أو حتى المضاربون.
مؤخراً شهدت أسعار الذهب انخفاضاَ في سعرها مسجلة أخفض سعر له منذ خمس سنوات حيث بلغ سعر الأونصة 1088 دولاراً بتاريخ 20 تموز منخفضاً بذلك مقدار4 سنتات في بضع دقائق بعد افتتاح سوق بورصة شنغهاي للتداول ووفقاً للتحاليل يتبين أن السبب المباشر لذلك الانخفاض كان نتيجة مفاجئة لطلب بيع خمسة أطنان من الذهب كان قد تم وضعها على لائحة التداول من قبل المتداولين خلال لحظات، ما دفع بالمتداولين لإصدار أوامر مايعرف "بإيقاف الخسارة" للحد من خسائرهم من خلال آلية ما يعرف بالبيع التلقائي حينما يصل السعر إلى مستوى محدد مسبقًا ما يساهم في حدوث انخفاض للسعر بشكل حاد.
ومن خلال متابعة آليات التداول نجد أنه من بين الأسباب التي تقف خلف هذا الانخفاض يعود لقوة الدولار، حيث إن قيمة الدولار كما هو متعارف عليه يتجه بعكس اتجاه أسعار الذهب وفق القاعدة العالمية للتداول، وهو بذلك شبيه بالسلع الأخرى حيث إن سعره بالدولار في الأسواق العالمية ما يعني أنه حين يرتفع سعر صرف الدولار فإن طاقة شراء المستثمرين تصبح أقل وتصبح السلع أكثر كلفة، وفي حال ذهبنا إلى ما هو أبعد من ذلك نكتشف وجود عوامل إضافية تقف وراء انخفاض سعر الذهب منها يعود لوجود توقعات برفع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة بعد أن صرح الفيدرالي الاحتياطي أنه ربما يرفع أسعار الفائدة من 0.25 سنت في القريب العاجل، وهذا ساهم في التقليل من جاذبية الأصول عديمة العوائد مثل المعدن الأصفر
"الذهب"، يضاف لتلك العوامل تأثر أسعار الذهب بالأخبار التي صدرت عن البنك المركزي الصيني بأنه يمتلك حوالي 1658 طناً من الأونصات وهو أقل من توقعات المحللين الذين توقعوا وجود 3500 طن هذه الأخبار ساهمت في انخفاض الذهب بمقدار 10 دولارات بالأونصة الواحدة يوم الجمعة الفائت. وبحسب بعض المستثمرين فإن الذهب عادة ما يتم اتخاذه وسيلة للتحوط ضد التضخم وانخفاض الدولار، لكن الوقائع الحالية في ظل متغيرات الاقتصاد العالمي تبين أنه وعلى غير العادة فلم يعد التضخم وسعر صرف الدولار هما المتحكمان بسعر الذهب.
ومن المفارقات أن حدثين مهمين الأول يتعلق بالمفاوضات من أجل إنقاذ اليونان والثاني يتعلق بانخفاض أسهم الأسواق الصينية بنسبة 30% كان من المفترض أن يكونا مدعاة قلق بالنسبة للمستثمرين، حيث يجب أن يتجهوا إلى الأصول الآمنة، لكن على غير العادة فقد كان المستثمرون أكثر هدوءاً تجاه هذين الحدثين ولم يقوموا ببيع الأصول ذات المخاطر العالية مثل الأسهم والسندات.
بشكل تقليدي يعتبر المعدن النفيس أداة للتحوط ضد التضخم وانخفاض الدولار، لكن مع متغيرات الاقتصاد الأميركي الذي يبدو أنه في حالة التعافي ويتمتع بدولار قوي فإن ذلك يقلل من جاذبية الذهب.
وبما أن الذهب لا يحقق أرباحاً ولا عائداً، فإن هناك ما يعرف بتكلفة الفرصة البديلة لتداوله والاستثمار به، وربما يكون من المفيد دفعه في الأوقات السيئة عندما تنخفض أسعار الفائدة، فإنه من المرجح أن ترتفع الأسعار، لكن مع تكاليف الاقتراض فإنه يتحدد ارتفاعها كما أن السلع تفقد الإقبال عليها من قبل المستثمرين كما أن العائدات العالية يمكن أن تبدأ بالظهور في مكان آخر.
وبالتالي نجد أن التوقعات ليست بالضرورة أن تكون صائبة. فمثلاً توقع البعض أن يرتفع سعر أونصة الذهب إلى 5000 دولار لكن تشير التداولات الحالية إلى أنه وعلى المدى الطويل فإن الأسعار ربما تنخفض إلى أكثر من هذا الحد الذي هي عليه الآن. وربما ينخفض إلى مادون 1000 دولار للأونصة خلال العام الحالي، من دون أن نغفل تعرض الذهب لموجة من التقلبات التي قد تجبر المستثمرين على امتصاصها، لكن مع استمرار الاقتصاد الأميركي بالانتعاش وتطلعه لرفع أسعار الفائدة التي تدعم الدولار القوي فإن ذلك من المرجح أن يجعلنا نشاهد  ضغوطاً على أسعار الذهب.
وبالتالي فإن الدرس المستفاد هنا يعود بنا إلى ما بدأنا به مقالتنا بأن مفهوم المضاربة في منصات التداول لا يحدد بتكهن فني أو تقني ولا يمكن إطلاق توقع بالمطلق حول ارتفاع سعر سلعة أو انخفاضها، حيث تبقى لحركة الأسواق وتأثرها بالأحداث المحيطة يد خفية ربما تشكل ضربة قاضية على المضاربين الذين يدخلون الأسواق بهدف تحقيق الأرباح على حساب الآخرين.