الفراغ والإفراغ!.. بقلم: د. اسكندر لوقــا

الفراغ والإفراغ!.. بقلم: د. اسكندر لوقــا

تحليل وآراء

الأحد، ٢ أغسطس ٢٠١٥

من أمراض البعض من المجتمعات المعاصرة التي لا يعينها شيء مما يدور حولها، ثمة مرض يُعرف بالثرثرة وهو، بالطبع، ليس وقفاً على النساء، كما قد يحلو للبعض أن يفهم القول، بل هو مرض تصاب به فئات الناس كافة. وأيضا هو مرض لم تتمكن البشرية من التخلص منه سواء بسعي علماء الاجتماع أو حتى علماء النفس المرضي، هذا فضلاً عن استخدام الأدوية، على اختلاف أنواعها، في نطاق المحاولات التي بذلت حتى اليوم، وما تزال تبذل الجهود للقضاء عليه أو التخفيف من تداعياته.
والثرثرة، كما يبدو، صارت مع مرور الزمن ولعدم التمكن من التغلب عليها، صارت جزءاً من شخصيّة الإنسان الباحث عن وقت ضائع كي يملؤه بما يجعله قادراً على معالجة تبعات الملل الذي يعاني منه، وفي مقدمة ما يعانيه شعوره بالوحدة، بالحاجة إلى من يستمع إليه مهما كانت الغاية من تبادل الأحاديث معه.
وهنا الجدير بالتذكير أن ثمة الكثير من الحالات التي سببت أذى للآخر، كانت محصلة لممارسة سلوك الثرثرة، ومنها، على سبيل المثال لا الحصر، جعل البعض يدفعون ثمناً من سمعتهم وأحياناً من مكانتهم في البيئة التي يعيشون فيها، فقط لأن هناك من صدق ما نقل إليه عن هذا أو ذاك لا ما سمع أو رأى هو بنفسه عنه. وأحيانا حين يدعي مطلق القول، في سياق ثرثرته، إنه لم يكن يقصد ما قاله أو نقله عن سواه، يزداد حجم الإساءة للآخر، ولا يزول الأثر المسيء الذي خلفه قوله وإن كان صادقاً فيما يدعيه بعدم القصد.
إن المجتمعات التي لا تستطيع ملء أوقات الفراغ في بيوتها أو حتى في أماكن العمل، غالباً ما تكون مصدراً لممارسة فعل الثرثرة ونشرها في الأوساط التي تتصل معها سواء بحكم الجوار أو بحكم العمل. ومن هنا ينصح المختصون بعلم الاجتماع بأن خير وسيلة للحد من خطر هذا المرض، ولا أقول هذه العادة، بأن خير وسيلة للحد من خطره هو ملء الفراغ الذي يجعل المرء يبحث عما يملؤه بما يراه هو لا بما يراه آخرون.
في سياق هذا التنويه بخطورة انتشار مرض الثرثرة، وخصوصاً في الأوقات التي يمكن أن تبرر الإصابة به ونشره، على نحو فقدان الإنسان أمله بمستقبل مرجو قريب أو بعيد لاعتبارات خارجة عن إرادته، كما هو حال العديد من الناس في الوقت الحالي بسبب ترقب ما سيأتي في الغد وبعد الغد في المقهى أو الحديقة أو المنزل. وفي سياق هذا التنويه، أستعير من الفيلسوف الفرنسي الشهير شارل مونتيسكيو [ 1689 – 1755 ]  قوله: " الثرثارون، بقدر ما تكون رؤوسهم فارغة بقدر ما يسعون إلى الإفراغ ".
 iskandarlouka@yahoo.com