تاريخ من تآمروا على سورية .. و أعراب ٌ يعتقدون أنهم عربا ً

تاريخ من تآمروا على سورية .. و أعراب ٌ يعتقدون أنهم عربا ً

تحليل وآراء

السبت، ١ أغسطس ٢٠١٥

في مطلع الألف الثالث قبل الميلاد تم تطوير السفن النهرية لتجوب البحار وتفتح أبواب التجارة البعيدة , و احتل المصريون بوابة الطريق الدولي الوحيد الذي يربط بين أسواق العالم القديم , و دعت ظروف التجارة الدولية إلى البحث عن عملة دولية , وانتهى البحث سريعاً ً بإعتماد الذهب و الفضة لتغطية جميع السلع بسعر موحد , مما جعل مالكي الذهب و الفضة يتحولون من صاغة إلى أصحاب " مصارف " خاصة ً عندما نجحوا بإقناع زبائنهم بإيداع ذهبهم و فضتهم لديهم مقابل فائدة محدودة و بالتالي تحولت الودائع إلى ما يمكن اعتباره بوديعة مصرفية مضمونة يمكن استثمارها في التجارة الدولية لتحقيق ربح غير محدود .
لم يطل الزمن حتى أثبت المصرف انه ليس دكاناً ً للنقود فقط بل سلاحاً ً جديداً ً يمكنه أن يُحدث انقلابا ً شاملا ً في خطط الحرب , بسبب قدرته على حشد قوات عسكرية بالأجرة و ضمان تمويل المعارك لزمن طويل .
و في نهاية القرن العشرين قبل الميلاد تم نقل دولة الإقطاع من مرحلة المملكة إلى مرحلة الإمبراطورية و أصبح الإقطاعي يعرف وجه العلاقة بين التفوق العسكري و التمويل المنتظم .
و في القرن الثامن عشر قبل الميلاد تسللت إلى مصر إحدى القبائل و التي كانت تدعو نفسها باسم العبرانيين - أي الرحّل - و تفرقت داخل المدن المصرية المحتلة من قبل الهكسوس , حيث اشتغل رجالها في ميادين الحرف اليدوية كونهم لا يملكون نصيبا ً في الأرض و كانت صياغة الذهب من أكثر الحرف إثارة ً لكل مهاجر غريب .. و في عصر يوسف الصديق كانت مصارف العبرانيين قد احتكرت تمويل حكومة الاحتلال مقابل جمع الضرائب من المصريين و نجحت في السيطرة على اقتصاد الدولة .
الى حد ُأرغم ملك الهكسوس على أن يتقاسم السلطة مع يوسف قائلاً : " أنت تكون على بيتي و على فمك يقبل جميع الشعب  " و بذلك تمكنت المصارف العبرانية من تسخير اقتصاد مصر و أن تستغل سنوات الجفاف و ترفع العمولة على القروض إلى حد تجاوز قدرة المزارعين على السداد و بالتالي تمكن يوسف من شراء كل أراضي مصر لصالح فرعون .
استمر ذلك إلى عام 1550 ق.م حيث اجتاح المصريون قلاع الهكسوس في معركة أعادت ميزان القوى لنصابه و عاد فرعون ظافرا ً من أرض المعركة و وجد الوقت مناسبا ً لتصفية الحساب مع رأس المال في أيدي العبرانيين و يؤمم مصارفهم و يطردهم من مصر , فأدرك المصرفي العبراني أن رأس المال الذي اشترى أرض مصر لحساب الهكسوس لم يستطع أن يضمن رأسه في مصر . و أن تصحيح " الخطأ " يكون بشراء الأرض هذه المرة في أرض فلسطين و لحسابهم و بذلك ولدت فكرة أرض الميعاد .. و في صحراء سيناء القاحلة جلس قادة العبرانيين الهاربين برؤوس أموالهم من مصر لكي يكتبوا النسخة الأولى من دستور الدولة الرأسمالية الحديثة و يؤسسوا على الورق مخطط أول جمهورية في التاريخ خلال 2000 عام .
لقد تضمن البند الأول لهذا الدستور إنهاء عصر الإقطاع بتقليص سلطات الملك و توزيع أجهزة الإدارة بين اثني عشرة قبيلة من أسباط إسرائيل.
أما البند الثاني فقد ُخصص لضمان شرعية الربا و تسخير جهاز الدولة لحماية قروض المصارف في الداخل و الخارج.
فيما اتجه البند الثالث لتأمين قاعدة رأس المال " خاصتهم " بمنع الربا بين اليهود و تصفية ديونهم بالإبراء العام مرة كل سبع سنوات .
معتمدين التوراة كأساس لوضع هذه البنود من خلال التفسير الملائم لهم ( التلمود ).
 لقد جعلت التوراة إقراض الغريب بالربا فريضة دينية لزيادة رأس المال اليهودي عبر وسائل و طرق متعددة كزيادة سعر الفائدة على القروض و احتكار السلع.....الخ. مما يؤمن تضاعف رأس المال اليهودي 50% سنويا ً .. لقد قرر اليهود إعادة كتابة التاريخ كله من جديد و بضمانة التوراة التي تصيغ قصة خروجهم من مصر في صيغة تليق بمقام الأغنياء و ينال فرعون العقاب الذي يستحقه مع كل من يهدد أمن المصارف فتغرقه التوراة في البحر الأحمر و يلعنه رجال الدين للأبد .
و في عصرالملك سليمان حوالي 950 ق.م أصبح التجار اليهود هم أصحاب اليد العليا في اقتصاد الشرق الأوسط و كانت مصارفهم تدير أكبر أسطول تجاري في المنطقة و تسيطر على أسواق عالمية تمتد بين الصين و اليمن .
إن سلاح المصرف الحر أراد تحويل قبيلة الرعاة إلى مستوطنين ناجحين في أرض فلسطين لكن نبوخذ نصر قام في سنة 722 ق. م بأسرهم و ترحيلهم إلى بابل معتقدا ً أن الإقطاع انتصر على نظام المصرف الحر.
و خلال الألف سنة التالية تفرق اليهود في جهات الأرض الأربعة و تحول نشاطهم المصرفي إلى كارثة على اقتصاد جميع الأمم فقد طبقوا أينما حلوا نظام دفع الفائدة و أقاموا المشاريع المشبوهة القادرة على تحقيق ربح سريع في زمن قصير حيث مولوا الخمارات و نوادي القمار وتجهيز عصابات القراصنة لخطف الرقيق و ....وهي مشروعات ما لبثت أن أدانت اليهود أخلاقيا ً في كل أنحاء العالم. حتى السيد المسيح حمل عصاه و خرج لطرد الصرافين من ساحة المعبد قائلاً : " بيت أبي بيت صلاة و أنتم جعلتموه مغارة لصوص " , معلنا ً بالوقت نفسه إفلاس مشروع التوراة رسمياً ً.
و من ثم رفعت الكنيسة المسيحية عصاها غاضبة ً في وجه المرابين اليهود , حيث تكلم الاقتصاد بلغة الرهبان فصار الفقر فضيلة و تصاعدت الحرب ضد متاع الحياة الدنيا حتى قرر سمعان العمودي أن يقضي حياته فوق عمود . و بذلك حفر خندقا ً بين الدين و رأس المال غير قابل ٍ للردم.
و ظلّ الوضع على حاله كما تركه نبوخذ نصر إلى أن استعاد الرسول ( ص ) الصيغة الصحيحة تحت شعار حكم الجماعة لتنمية رأس المال في مجتمع ديمقراطي و أعاد توزيعه بشكل يضمن إنهاء عصر الفقر و البطالة و لم يعرف العرب أن يحافظوا على ما وصلوا إليه رغم اكتسابهم ثقة الناس و القدرة على كسب المعارك و خسروا المعركة أمام مد العالم الرأسمالي الذي لا يرحم , و اختفوا عن مسرح الحياة بعد ثمانية قرون و بات عليهم أن يدفعوا الثمن .
و رغم ظروفهم الحالكة استطاعوا تطوير السفينة البحرية و جابوا البحار و المحيطات ووصلوا الى اليابان و استراليا , فتضاعفت تجارتهم لكنهم لا يملكون المال القادر على تمويل حملات الاستيطان و بقوا عند حدود جبل طارق , في الوقت نفسه كان كولومبس عام 1492 يبحر بسفن و خرائط عربية و يتجه غرباً ً ليكتشف العالم الجديد , في حين لم يتمكن العرب من السيطرة على خطوط التجارة الدولية .
في هذا الوقت كان نظام المصرف اليهودي الذي مات في الشرق الأوسط  ُيبعث للحياة مجددا ً في بلدان غرب أوروبا و استطاع جني الكثير من المال في بريطانيا من جمع الضرائب لحساب الملكة إليزابيث في خضم نقمة شعبية عارمة ضد اليهود كما حدث لهم في عصر الهكسوس , لكن المملكة البريطانية استفادت منهم في استعادة صيغة الملكية الدستورية التي أبتكرها اليهود و التي تقوم على سلطة المصارف و تسخير الدولة لخدمة رأس المال و بذلك استطاع الانكليز أن يسبقوا كافة دول قارتهم بشوط كبير.
كما أن الموقع الجغرافي للمملكة لم يسمح لها بحروب برية فركزت أنفاقها العسكري على بناء الأساطيل و تطوير المدافع و زيادة سرعة الطوربيد البحري, مما جعلهم بمثابة قرش البحر القاتل.
فقام الانكليز بتأسيس بنك لندن معتمدين على الميزانية العسكرية و دخل الدولة و قروض المصارف الذي ضاعف نفسه أكثر من أربعين مرة خلال قرن و بذلك تضاعف عدد الجنود و الآلة العسكرية و ارتفع عدد سفن الأسطول وبذلك تمت ولادة الدولة العظمة, و تحت رعاية هذه الدولة المصرفية استعاد اليهود حق المواطنة و لأول مرة منذ عصر نبوخذ نصر حيث منحتهم الثورة الفرنسية حق الحصول على الجنسية وكذلك فعلت بريطانيا لقطع الطريق على نابليون في استمالة المصارف اليهودية, وبذلك أضحى الأوربيون يتنافسون على منحهم الجنسيات المختلفة و تحولت أوروبا بأسرها إلى أرض الميعاد لكن اليهود بقيت عيونهم شاخصة إلى القارة الأمريكية العذراء بثرواتها و خيراتها و بذلك وضعوا حلمهم بأرض فلسطين جانبا ً و بشكل مؤقت و انطلقوا إلى نيويورك و أنشأوا المصارف التي تبنت زيادة الإنتاج على نطاق لم يسبق له مثيل و بذلك تضاعف نظام المصرف الحر بصورة خيالية و أصبح جاهزا ً للانطلاق نحو للمرحلة التالية .
فبعد أن تحرر نظام الدولة الرأسمالية من قاموس التوراة واستعاد لغته في قاموس المصرف الحر فلم تعد فكرة " الدولة اليهودية " دولة لليهود بل أصبحت دولة المصارف التي تتعامل مع كل الزبائن  من أي لون و عرق , و لم يكن همها سوى الربح المادي و بذلك فتحت السوق العالمية أمام رأس المال شرط تولي الإدارة و ضمنت مستقبل المصرف الحر الذي أخذ يجتاح دول العالم و القارات حيث أمتد من وراء المحيط إلى داخل منطقة نفوذ الأتراك و اشترت امتيازات سكة حديد بغداد و آبار نفط البحرين و افتتحت معركة المصرف الحر ضد الإقطاع ثانية ً تحت سماء الشرق الأوسط للمرة الثانية منذ عصر فرعون .
في هذا الوقت كان الشرق الأوسط لا يزال على حاله كما تركه فرعون تتحكم به حكوماته الإقطاعية المتناحرة و التي تدار بنظم بدائية لا تستطيع أن تحوي نظام المصرف الحر و لا تضمن له الأمان المطلوب.
ومن جهة أخرى كان الشرق الأوسط بموقعه الجغرافي الممتاز الذي يتمركز عند بوابة التجارة الدولية بين القارات, و الذي تحتاج فيه المصارف إلى مراكز مستقرة و بأي طريقة و ثمن دفع الدول الرأسمالية للإختلاف فيما بينها على حلين :
الأول و تبنته فرنسا و يتمثل بإنشاء جمهورية لبنان على أن توزع فيه السلطة بين خصوم ذوي مصالح متناقضة بشكل لا يهدد النظام المصرفي الحر و نجحوا مؤقتا ً في اجتذاب رأس المال إلى لبنان و تم تأسيس أول بنك عربي ( بنك انترا ) لكن سرعان ما قتلته المصارف الغربية و أعلن إفلاسه.
الثاني تبنته الولايات المتحدة الأمريكية و تمثل بإحياء مشروع إسرائيل على خطة مصرفية صريحة هدفها كسب رأس المال اليهودي و كذلك أن تضمن للمصرف الحر وطناً آمنا ً بين إقطاعيات الشرق الأوسط , و هي فكرة لم تولد من الشعب الأمريكي أو الكونغرس إنما ولدت سراً ً في مكاتب أصحاب المصارف الأمريكية و سخروا لها الرئيس ترومان لتنفيذها بأسلحة مالية بحتة منها تهديد بريطانيا و إلزام ألمانيا بدفع تعويضات لإسرائيل إذا عارضتا دخول اليهود لفلسطين عام 1947, و بذلك كان المصرف الحر يملك فكرة إقامة وطنيين في الشرق الأوسط سنة 1948, الأول لبنان و الثاني إسرائيل مع عدم التكافؤ حيث  انطلق اللبنانيون من خلال صيغة خرافية ساذجة نحو بناء وطن رأس مالي دون جيش و أطلقوا على لبنان تسمية سويسرا الشرق متجاهلين أن سويسرا نفسها تملك أكفأ جيش دفاعي في التاريخ .
و في الجهة الأخرى أقامت إسرائيل تدابير عديدة لخدمة رأس المال في أرض فلسطين المحتلة حيث استماتوا دفاعا ً عن أسهم بريطانيا في قناة السويس و حرسوا آبار النفط الأمريكية في الخليج و أداروا مصارف التجارة الدولية بين آسيا و أفريقيا تحت عين الرضا من دول الغرب .
ثم جاءت عام 1967 المواجهة المباشرة و انتهت المعركة خلال ساعات معدودة و عاد العرب بدرس موجع للكل و نافع للبعض , حيث فهمه بعض القادة على مبدأ أن جميع أوراق اللعبة بيد أمريكا و لابد من الاستسلام لها كما فعل سادات و مصر و ملك الأردن علنا ً , و دول الخليج و آل سعود سرا ً. و فهمها البعض الآخر أن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلاّ بالقوة و بالإعتماد  على الله و الذات و بالالتفاف حول رمز الأمة و بدأت تتشكل نواة المقاومة بزعامة سوريا و فكر قائدها المؤسس حافظ الأسد ومن خلفها كل الشعوب العربية و أحرار العالم , و أخذت تبني نفسها من جديد اقتصادياً ً و عسكرياً ً في ظل أحلك الظروف و سوداء الأيام و استطاعت بناء جسم المقاومة و مدت له الجسور المتينة و القوية مع بعض الدول كإيران و الاتحاد السوفيتي سابقا ً(روسياً) و الصين و غيرها ...... و تمكنت من وضع صخرة الانطلاق الأولى التي تمنع التراجع و الخسائر أو الهزائم و تبشر بزمن الانتصار انطلاقا ً من حرب تشرين التحريرية 1973.
لم يرق للأعداء أن تنهض الأمة من جديد, فكان ربيع الدم, و ربيع التقسيم, و القتل و الدمار و الدماء.. ولم يبخل الأعراب بمالهم , و بفكرهم التكفيري , و ببدعتهم الدينية المشوهة , وأن يكونوا النسخة الأعرابية الصهيونية المتأسلمة , و الأداة القاتلة للمشروع النهضوي العربي , الذي أرّق مضاجعهم و هدد عروشهم , مع تنامي الوعي القومي العربي و العروبي الأصيل .. فكانت سورية قلب العروبة النابض هدفا ً رئيسيا ً لمخططاتهم و لعمالتهم و حقدهم, ويحهم .. أعراب ٌ وقد اعتقدوا أنفسهم عربا ً ..!!!!!  
أخيراً ً : إن إسرائيل ليست صنيعة أمريكا كما يعتقد الكثيرين بل إن كلتاهما معاً صنيعتا المصرف الحر الرأسمالي. و أن العرب لم يخسروا الحرب إمام إسرائيل " القوية ", بل نتيجة عمالة البعض ممن فضلّوا التآمر على العرب و تدمير سورية و مصر و العراق و اليمن و ليبيا.... الخ, و الجلوس تحت أقدام الأعداء أذلاء.
رغم ما وصل إليه العرب فإن حالهم ليست قدرية و نهائية فلا بد من النهوض ثانية و ثالثة و ... إن البلاد العربية غنية بطاقاتها البشرية و الذهنية و ثرواتها و بموقعها الجغرافي و لم تكن الشعوب العربية محظوظة بأغلب قادتها الذين دفعوا العربة نحو الخلف و ساروا بعكس الاتجاه.. و حاربوا سورية كوكلاء , وتصرّف بعضهم كأصلاء , لكن الوقت حان تنفض الأمة عنها قشورها وورقها اليابس و تظهر صخورها الصلبة التي يمكنها أن تقف عليها و تخوض غمار التحدي و المعركة .
لقد بدأت الصورة تزداد وضوحاً ً و بدأ الكل يبصرون و يرون أن القائد و الرمز سيادة الدكتور بشار الأسد هو من يحمل راية الأمة العربية مجددا ً , و وراءه كل الشعب العربي في معركة المصير و الكرامة و تحقيق الذات , و لنا في الماضي القريب و الحاضر عبرة ً , و لهم فيها عارٌ و رعب ٌ و خوف ٌ. أيا شعب أمتي ألا انتفض فقد انتهى زمن الهزائم و حان وقت الانتصار و المضي قدماً بإذن الله.

المهندس : ميشيل كلاغاصي
1 8 2015