تركيا القديمة وسورية الجديدة !.. بقلم: رشاد أبو داود

تركيا القديمة وسورية الجديدة !.. بقلم: رشاد أبو داود

تحليل وآراء

الجمعة، ٣١ يوليو ٢٠١٥

في المدارس علمونا أن لواء الاسكندرون عربي اقتطعته تركيا مع ما اقتطعت من الجسد العربي. وعلمونا أن الأهواز عربية اقتطعتها إيران الشاهنشاهية أيضاً من الجسد ذاته، بشحمه ولحمه ونفطه .
ومع الزمن، تحديداً، منذ زرع الكيان السرطاني الصهيوني في فلسطين العربية، نسينا عربستان وسامحنا تركيا بالاسكندرون وقلنا: رحم الله ما احتل وما مضى ! لكن الذين احتلوا لم يقولوا كفى بل ظلت شهيتهم مفتوحة للقضم والضم، للاحتلال والضرب تحت مسميات شتى.
تركيا اردوغان امتداد لتركيا اتاتورك لكن تحت لافتة إسلامية والعنوان «منطقة آمنة للاجئين السوريين» ولمحاربة داعش. فقد دخلت تركيا رسمياً الحرب على «داعش»، طائراتها تضرب في شمال سوريا وشمال العراق... تسهيلات واسعة مُنِحت للطائرات الأميركية لاستخدام القواعد التركية في هجماتها ضد أهداف لتنظيم «داعش» ... حملات اعتقال ومداهمة طالت المئات من المشتبه بهم ... الأمم المتحدة تبلغت بقرار الحرب ومبرراته وأسبابه الموجبة، فيما رئيس الحكومة التركية يصرح بأن ما تم حتى الآن، ليس سوى «مرحلة أولى» أو «بداية مطاف»... إن كانت هذه هي البداية، فكيف ستكون نهاية المطاف؟
أنقرة لم تخف حقيقة موقفها، فقد وضعت «داعش» وحزب العمال الكردستاني واليسار التركي المسلح، في سلة واحدة، جميعهم إرهابيون، والحرب تستهدفهم جميعاً ولا تميز بينهم ... الأمر الذي كشف دفعة واحدة خبث النوايا التركية. فهي تريد أن تصفي حسابها المفتوح مع «المسألة الكردية».
إنها الطريقة الأردوغانية في «القطع» و«الحسم» مع الخصوم، حتى وإن استوجب ذلك خوض المعارك على جبهات قتال متعددة ... ولولا الضغوط الدولية، الأميركية بخاصة، و لولا الخشية من ردات فعل غير محسوبة من قبل إيران وروسيا، لكانت الحكومة التركية قد أدرجت النظام السوري في لائحة أهدافها، وهي التي طالما ربطت الحرب على داعش بالحرب على النظام، وطالما طالبت بإسقاط رأسين بحجر واحد: رأس الأسد ورأس البغدادي ... لكن أما وقد تعذر ذلك، فلا بأس من «المساومة» على بقاء رأس الأسد بين كتفيه، وإن لحين من الوقت، والعمل لقطع رأس الحركة الوطنية الكردية وضرب عمودها الفقري، مجسداً بشكل خاص بحزب العمال بزعامة عبد الله أوجلان.
تركيا ستكون أكثر جدية، في حربها على الأكراد، ودائماً تحت شعار «الحرب على الإرهاب»، لأن تركيا عندما قدمت تسهيلات لا حدود لها لـ «داعش»، كانت تهدف بالأساس، لاستخدام التنظيم الدموي في تقطيع السبل أمام فرص أي كيان كردي مستقل وممتد جغرافياً، وعندما فشلت داعش في «توفير البضاعة» وحظي الأكراد بدعم إقليمي ودولي، وحققوا ما تحقق من مكاسب سياسية وإعلامية ولوجستية، لم يعد أمام أنقرة من خيار سوى أن تأخذ المهمة على عاتقها، وأن تشرع في معاقبة الأكراد، لأنهم تورطوا في مسلسل خيانات اردوغان وبخاصة في الانتخابات الأخيرة.
لقد كشفت تركيا عن نواياها التوسعية من خلال استخدام رئيس وزرائها أحمد داود أوغلو تعبير « سوريا الجديدة» وهو التعبير الذي يستخدم لأول مرة منذ بدء الأزمة السورية ويكشف عن حقيقة ما سمي بـ «الربيع العربي » كما يكشف عن سر داعش التي وجدت لتحدد خريطة ليس سوريا الجديدة فقط بل خريطة المنطقة التي سميت قبل عشرين سنة «الشرق الأوسط الجديد » المثلث الأضلاع ، إسرائيل ضلعه الغربي وإيران ضلعه الشرقي وتركيا رأسه ثم ما لبث أن خبا هذا المصطلح ربما لأن ما بين هذه الأضلاع كان ومايزال لحم عربي يجب تفتيته وتذويبه وطبخه ليصبح سهل الهضم على الذئاب الأمبراطورية.
لقد «وزع» أوغلو الفريسة السورية على هواه بقوله إن حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي PYD (الجناح السوري لحزب العمال الكردستاني، يمكن أن يكون له مكان في «سورية الجديدة»، إذا لم يسبب قلقاً لتركيا.
وأضاف أوغلو لرؤساء تحرير وسائل الإعلام التركية، من الممكن أن يكون للاتحاد الديمقراطي مكان في سوريا الجديدة فيما إذا قام بقطع كل علاقاته مع نظام بشار الأسد وتعاون مع قوى المعارضة ولم يتسبب بقلق لتركيا».
وقال «على الرغم من استمرار الخلافات مع واشنطن بشأن جوانب السياسة في سورية، فهناك أرضية مشتركة كافية للتوصل لاتفاق بشأن فتح القواعد الجوية». ومن جانبها ذكرت صحيفة «حريت» التركية ، أن رئيس الوزراء أوضح أن «من النقاط المهمة التغطية الجوية للجيش السوري الحر والعناصر المعتدلة الأخرى التي تقاتل تنظيم داعش»، مضيفاً أنه «إذا لم نرسل وحدات برية على الأرض ونحن لن نفعل، فلابد حينئذ من حماية تلك القوات التي تعمل كقوات برية وتتعاون معنا».
ليس مستبعداً أن توسع أنقرة دائرة «مقامرتها» العسكرية، كأن تعمد تحت غطاء القصف الجوي الكثيف، إلى إحياء فكرة «الشريط العازل» الذي طالما طالبت بإقامته على امتداد حدودها مع سوريا، ليكون منصة انطلاق لعمليات توسع بري، هدفها غير البريء وغير المضمر: تدمير فرص قيام كيان كردي من جهة، وتعبيد الطريق صوب دمشق من جهة ثانية.
كما لعبت لعبة كوباني مع الأكراد بحجر داعش فإن تركيا تضرب الآن الأرض السورية بحجارة ما تسميها المعارضة المعتدلة، وغداً تضرب المعارضة بحجارة داعش التي كان نظام أردوغان –أوغلو أحد آبائها الذين انجبوها في العتمة !