أردوغان.. نبيّ الانتهازيّة

أردوغان.. نبيّ الانتهازيّة

تحليل وآراء

الأربعاء، ٢٩ يوليو ٢٠١٥

ماذا يتغير في المشهد اذا ابدل الثعبان العمامة بالخوذة؟
صدمتنا الاصوات التي تتحدث عن» التحول الاستراتيجي» في مواقف رجب طيب اردوغان، كما لو اننا نقول ان الثعبان تحوّل، فجأة، الى طائر اللقلاق...
السلطان ( او الثعبان) لم يتغير قيد انملة. كل المؤشرات تدل على ان تفجير سوروتش من اعداد الاستخبارات التركية، ولو كان تنظيم الدولة الاسلامية الذي يتقن الاداء الاعلامي ( والسيكولوجي) مثلما يتقن استنباط تلك الصنوف الهائلة من القتل، وراء الحادثة لما تردد لحظة في الاعلان عن ذلك...
ولان الصحافي اللامع قدري غورسل اماط اللثام عن الايدي التي كانت وراء المجزرة، ولانه رأى لدى اردوغان « ضحالة في الخيال السياسي»، وهشاشة في وضع السيناريو الاخيرالذي هاجم فيه «داعش»، ودون ان ينسى الاكراد واليساريين( كي لا يقول العلويين)، كان من الضروري ان يبحث عن التقنيات المسرحية اللازمة، فكان تفجير سوروتش الذي يكشف ان الرجل الذي تبعثر بين كل ازمات المنطقة، واسهم، بشكل مباشر، في صناعتها، لا يصلح ان يضع سيناريو حتى لراقصة من الدرجة الثالثة عشرة...
ها انه يضع قاعدة انجيرليك بتصرف قوات التحالف، اي بتصرف الولايات المتحدة، بعدما استشعر ان اتفاق فيينا قد يحدث تعديلا دراماتيكيا في قواعد اللعبة،وهو الذي يعلم او لعله احيط علما بأن كل الاستخبارات الغربية، اضافة الى الاستخبارات الروسية والصينية، قالت لولا اردوغان لبقي ابو بكر البغدادي بحجم ابي مصعب الزرقاوي...
السلطان النيو عثماني هو الذي عبأ عملاءه في آسيا الوسطى و القوقاز، دون ان يغفل ولو لبرهة، الحديث عن « العالم التركي»، لتجنيد المقاتلين والالتحاق بتنظيم الدولة الاسلامية.وكلنا يعلم ان بعض قيادات التنظيم كانت تستشفي في الداخل التركي، وبعضهم منح جوازات سفر لا ندري ما اذا كانت مزورة من اذربيجان و تركمانستان واوزبكستان على انهم رجال اعمال او سياح حلوا في الفيلات و الفنادق...
اردوغان لم يدفع دولارا واحدا. كل النفقات كانت تؤمن من قبل اثرياء عرب او من قبل اجهزة استخبارات عربية، فيما كان مراسلون اتراك في بيروت يؤكدون ان ما جناه الرجل من الازمة السورية يتجاوز الـ 600 مليون دولار، وقد يأتي اليوم الذي تدوي فيه هذه الفضيحة بكل تفاصيلها وبكل ويلاتها. غورسل هو الذي المح الى ذلك، وكتب عن» ولولة الفضيحة».
الآن، يقصى الصحافي البارز عن الكتابة في صحيفة « ميلليت»، وبضغط مباشر من اردوغان الذي سبق لغورسل وقال انه « لا يستطيع ان يتحمل اي صوت معارض له ولو كان...صوت المؤذن».
نبي الانتهازية الذي اذ لاحظ انه خسر اوراقه الخارجية، وتراجعت زعامته الداخلية، يبدو جاهزا للضربة الاخيرة، للمغامرة الاخيرة، بالانخراط في ذلك السيناريو الذي يتخفى فيه بدور من يقاتل « داعش» للتمدد في الاراضي والاجواء السورية، من ثم الانقضاض، في اللحظة المناسبة ، على النظام...
وحين يكون هناك مسؤولون عرب ينسقون مع «الاخوة الاسرائيليين»، كيف لا ينسقون مع «الاخوة الاتراك» لقطع الطريق على اي تداعيات جيوسياسية للاتفاق النووي، دائما عبر سوريا التي ان سقط النظام فيها لا بد ان تتغير خارطة الشرق الاوسط برمتها، وبعدما راحت جهات سياسية عربية تشيع بأن الروس باتوا اقرب الى « مفهوم الهيئة الانتقالية».
هل الدمى( ام المومياءات؟) الموزعة على مقاهي( وربما مواخير) اسطنبول هي التي ستكون الشريكة الاساسية في الهيئة، باعتبارها ستمسك بالارض التي توفرها لها القاذفات و الدبابات التركية و بتعاون تام مع تل ابيب التي تراهن على اندثار سوريا، او على قيام ذلك النظام الكاريكاتوري الذي يفتح امامها ابواب دمشق؟
لندع اردوغان يضرب، للمرة الاخيرة، رأسه بالحائط. يفعل كل هذا لانقاذ نفسه تمهيدا لاعادة فتح صناديق الاقتراع وتأمين الاكثرية التي تكرس النظام الرئاسي. لكنها حماقة السلاطين حين لا يدركون ان اللعبة في سوريا، والتسوية في سوريا، اكثر تعقيدا بكثير من ان يترك لذاك الديكتاتور المتغطرس ان يحدد قواعد الاشتباك او قواعد الصفقة في الشرق الاوسط..
الم يسأل جنكيز تشاندار « اذا دقت ساعة البلقنة، فأين ستكون تركيا على الخريطة؟».